رياض الزهراء العدد 218 بريد القراء
حيلة الفاسق النميمة
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف الستور، والنمام أشر من وطئ على الأرض بقدم"(1). (النميمة): نقل قول الآخر إلى المقول فيه، سواء نقل ذلك لفظا، أم بالكتابة، أم بالإشارة أو الرمز، فإن تضمن ذلك نقصا، أو عيبا في المحكي عنه، كان ذلك راجعا إلى الغيبة أيضا، وقد عبر إمامنا الصادق (عليه السلام) عن النميمة بكلماتٍ اختصرت آلاف الكلم، واختزلت آلاف العبر، فالنميمة آفة نخرت في العلاقات بين الناس فيما مضى، وما تزال تنخرها، حتى عدها بعضهم الحقيقة بعينها، وغدت عنده مصدرا معتبرا للمعلومات. حياتنا الاجتماعية ملأى بالشروخ التي سببتها النميمة، سببها نمام مجاهر بمعصية الله تعالى ورسوله الكريم وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، فكل منا كان لديه أصدقاء أو أحبة فارقوه لهذا السبب. علاقات كانت متينة، صلبة الأركان، قوية البنيان، هدمتها النميمة التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة في الغالب، فلماذا يصدق الإنسان كل ما ينقل إليه عن إنسان وثيق الصلة به؟! أو لم يقل الله تعالى في كتابه الكريم: )همازٍ مشاءٍ بنميم( (القلم:11)؟! و(الهماز): مبالغة من الهمز، والمراد به العياب، والطعان، وقيل: الطعان بالعين والإشارة، وقيل: كثير الاغتياب، و(المشاء) بالنميمة: هو نقال الحديث من قوم إلى قوم على وجه الإفساد بينهم. وإذا أمعنا النظر في أغلب من صد عنا فجأة، أو أدار ظهره لنا بعد أن كان أشد الناس حبا لنا، أو أقربهم رابطة؛ لوجدنا أن السبب يعزى إلى نمامٍ نقل عنا خبرا كاذبا، أو تشويها لما قلناه في جميع محتواه. في الحقيقة نحن المسؤولون عن انتشار هذه الظاهرة وإن لم تكن من طباعنا، لكن مسؤوليتنا تتجلى عبر استقبال الشخص النمام وتصديق كلامه، وبذلك نشترك معه فيها وهو على عكس ما أمرنا الله سبحانه به، إذ قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( (الحجرات:6)، وهذا نهيٌ يستتبع العاقبة التي لا يودها أحد منا، ألا وهي الندم، ثم لم لا ننتبه إلى حقيقة النمام الواردة في رواية أمير المؤمنين (عليه السلام):"من نقل إليك نقل عنك"(2)؛ لذلك ينبغي أن لا نستقبل النمام بالاستماع والإنصات إليه، بل علينا ردعه، وتذكيره بعقاب الله تعالى، ومنعه من النميمة والظن السيئ، مثلما أوصى المعصومون (عليهم السلام) أن نحمل المؤمن على سبعين محملا من الخير، ولنتذكر قوله تعالى: )ويلٌ لكل همزة لمزة( (الهمزة:1)، فلا نكن من النمامين، ولا من السامعين لأشر من وطئ على الأرض بقدم. ..................... (1) ميزان الحكمة: ج٤، ص3370. (2) موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): ج11، ص431.