رياض الزهراء العدد 93 شمس خلف السحاب
هَدِيَّةُ السَّمَاء
أيّ لحظات مقدّسة ودقائق معظّمة تلك التي أهدتها السماء إلى الوجود أجمع بمولد البضعة، وأيّة حفاوة إلهيّة شملتها بقدوم خلص النساء الأربع، وأيّ بسمة حطّت على ثغر المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهو يقبّل ريحانته لأول وهله. بل لتقُل أيّ نور تلاقى وشعشع وأضاء خلف أسوار بيت النبوّة أحد بيوتات مكّة المشرفة، حينما وُلدت سيّدة النساء قرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه، فاطمة البضعة (عليها السلام)، إنها ثمرة حبّه الحميم مع زوجه خديجة الكبرى (عليها السلام)، فلقد أزهر ذلك التفاني والإخلاص بمولدها الشريف من أرحام طابت وطهرت، وأصلاب أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. ولم ينشأ ذلك الفرح والتهليل لمقام البضعة محض صدفة، بل جاء نتيجة إرادة سماويّة جبارة، لما تمثله السيّدة الزهراء (عليها السلام) من أهميّة وقداسه باعتبارها الوعاء الشريف لأولادها المعصومين البَرَرة. إذ تمثل الحلقة العصماء التي تدور حولها كواكب أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، ومركزاً إشعاعياً يمدّهم بالنور والإيمان وكلّ أمارات السموّ والرفعة، فلقد ابتدأت أولى تلك الحلقات بابنيها سيّديْ شباب أهل الجنّة، لتُختم خلافة الأرض على يد ولدها الإمام الحجّة بن الحسن منقذ البشرية، ومحرر الكون من قيود الظلم والتضييق. جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "المهدي من عترتي من وُلد فاطمة".(1) كما رُوي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: أبشري يا فاطمة، فإنّ المهديّ منك".(2) وجاء في حديث اللوح المشهور: ".. وأعطيتُك يا محمّد مَن أُخرج من صُلبه (يعني عليّاً) أحد عشر مهديّاً، كلّهم من ذريّتك من البِكر البتول، آخر رجلٍ منهم اُنجي به من الهلكة ..".(3) فلعلّ سائل يسأل ونحن نعيش أفراح آل محمد (صلى الله عليه وآله) بمولد الزهراء البتول (عليها السلام)، أيّهما يسعد القلب ويثلجه بهجة وسروراً..؟ أبمولد ريحانة الرسول وهي المهجة وهي البضعة، أم لأنها السبب في توالي أهل بيت الرفعة وخاتمهم الأمل المنشود الذي ترتقبه قلوب الموالين كلّ يوم جمعه؟ فكلّ أيام الموالين أفراح، وكلّ ساعاتهم هناء، وهم يحيون ولادة السّيّدة الزهراء (عليها السلام) بأمنية قرب ظهور الإمام، وتعجيل اللقاء الميمون، وهكذا تختم أفراحنا وتعرش قلوبنا وتغفو أحداقنا على ترانيم الأمل في الأمل الموعود، وظهور دولة الحقّ على يد ابن مولاتنا الزهراء (عليها السلام)، وبذلك عين السعادة وذروة الفرح العظيم. ................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص75. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص178. (3) يوم الخلاص ج1: ص77.