كأنها غراب

كوثر حسين العريفاوي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 55

في أحد الأيام، اتصل والدي وأخبرنا أن عمتي في طريقها إلى بيتنا، فاستعدوا لزيارتها، ولأن عمتي كانت تسكن في منطقة بعيدة عنا، كانت زياراتها لنا كالأعياد. وصلت وكنا متشوقين للجلوس معها والاستماع إلى أحاديثها اللطيفة، وفي الساعة الثامنة مساء، جلسنا جميعا؛ لتحكي لنا قصصا جميلة، سألتها أختي عن طفولتها وكيف كانت الحياة مختلفة قبل (70) عاما، ولأنها الابنة الأولى لجدي، فكانت تحكي لنا عن طفولة أبي، فنفرح كثيرا لتلك الأحاديث. كنت أنصت إليها بكل حب، ومن بين كل الأشياء التي حكتها لنا، حين قلت لها: حدثينا عن موقف واحد لم يخرج من ذاكرتك، وما يزال عالقا فيها، ابتسمت، وتنهدت ثم قالت: بعد وفاة والدي، كانت أمي في العدة، وكانت الناس تجبر زوجة المتوفى أنْ تجلس في غرفة ولا تخرج منها أبدا حتى انتهاء العدة، وفي ذلك الوقت مرض عمكم، ولأنني الأخت الأكبر، اضطررت إلى أخذه للطبيب، وكنت في ذلك الوقت لا أتجاوز الخامسة عشر من العمر، فارتديت ملابسي السوداء وعباءتي، وجلسنا في صالة الانتظار حتى يحين دورنا ليكشف الطبيب على أخي، كان هناك بجانبي امرأتان تتهامسان، سمعت الأولى تقول للثانية: يجلس غراب إلى جانبك، ونظرتا إلي وضحكتا بصوت خافت، حينها لم أستطع قول شيء، فقد أحسست بوخزة في قلبي كادت دموعي أنْ تنهمر، لكني تجلدت، وبعد ما طمأنني الطبيب، وأخبرني أن أخي سيكون بخير إذا ما استمر بأخذ العلاج في وقته. عدنا إلى البيت وقلبي منقبض، فهرعت مباشرة إلى المرآة وأنا أتمتم لنفسي: هل حقا أبدو كالغراب؟ لم أنم تلك الليلة من الحزن، كان قلبي متعبا من فقد والدي، ومتعبا من تحمل المسؤولية في وقت مبكر. قطعت عمتي حديثها عن هذا الموقف بابتسامة حزينة، وحاولت تغيير الموضوع، وبدأت تتحدث عن مواقف أخرى طريفة، لكنني بقيت أفكر: ترى هل تتذكر تلك المرأة هذا الموقف؟ هل ما تزال على قيد الحياة بينما المجروح من كلماتها ما يزال يتألم من الذكرى؟ ترى هل يدرك الناس آثار كلماتهم وعواقبها؟ وهل تسببت أنا بجرح مشاعر أحدهم من حيث لا أشعر؟ كيف سأبدو لو فعلت؟