رياض الزهراء العدد 218 إسقاطات ذاتية
أقراط من نورٍ
الفقد أشد ألما من الحرمان، والحرمان أشد وجعا من الضياع، واجتماع ما ذكر جمعا أو فرادى تنسيك حلاوة العطاء. أعني بذلك المغلوبين على أمرهم، الذين اضطروا إلى محاربة البؤس، ومحاربة مجتمع أكثر بؤسا وظلما، في ذلك الوقت الذي أرى فيه الأحداث أقرب الصورة مرارا عبر مجهر مخيلتي؛ لأرى العالم عبر فسحة صغيرة لطالما عنت لي الكثير، فأنا لا أؤمن بأن القرب من الصورة يجردها، ويريك عيوبها المخفية بقدر إيماني بأن القرب يعلمك الدقة والتدقيق في أصغر التفاصيل؛ كي لا تظلمي الألوان المتداخلة. إنها نقطة صغيرة جدا، لكنها في شساعة العالم، فكل شيء من حولي لا يمر عبثا أو سهوا بدون أنْ أقيمه وأبحث في تفاصيله، هوسي تجاه التفاصيل ليس ضعفا، أو انتقاما بقدر ما هو راحة ضمير، كي لا أهزم أمام نفسي مرتين، فعندما أعود بالزمن العتيد إلى شرنقة أحلامي، تأخذني اللحظات لأستحضر هزيمتي الأولى، عندما تمردت على والدتي حقبة من الزمن، متجردة من كل ألوان الحياة ومراسيم البر بالوالدين. لم أنس كلمات والدتي في كل مرة تقول: ستنقلب عليك الأيام ليستقيم حكمك على الناس، فها هي الأيام تداولتني، حتى صرت أروض تمردي، وأحمل الأشياء، وأبحث بحفاوة في تفاصيلها الصغيرة. شكرا أمي، أحملك فكرا وكتابا من دون عنوان. شكرا أمي، أحملك قرطاسا أستذكر فيه الوصايا. شكرا أمي، فقد كنت لي وطنا يفوق حجم العالم.