رياض الزهراء العدد 93 همسات روحية
الزِّيارَةُ_التوسل والاستشفاع بالرسول (صلى الله عليه وآله)
شفاعة الأنبياء والأولياء من الثوابت الاعتقاديّة التي صرّح بها القرآن الكريم والرسول (صلى الله عليه وآله) في الأحاديث الواردة عنه، وهي عبارة عن دعائه لله تعالى؛ لأجل الغير، وطلبه لغفران الذنب وقضاء الحوائج، فالشفاعة نوع من الدعاء والرجاء، وهي الدعوة لمسلم. وإنّ الله (سبحانه وتعالى) حثّ الناس على التوسل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) كما في قوله تعالى: (..وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ..)/ (النساء:64) وكذلك حثّ الله سبحانه الرسول (صلى الله عليه وآله) مراراً على الاستغفار للمؤمنين (..وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ..)/ )محمد:19)، وكذا قوله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)/ (يوسف:97)، فنرى كيف توسل أبناء النبيّ يعقوب (عليهم السلام) بأبيهم ليستغفر لهم الله (عزّ وجل)، وإنه استجاب لهم ووعدهم بذلك وقال: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)/ (يوسف:98)، فعدم ورود الاستنكار والوعيد على الأبناء لتوسلهم بأبيهم، وكذلك استجابته (عليه السلام) لهم، فإن يعقوب (عليه السلام) استجاب لهم ولم يستنكر عليهم ذلك. وما روي عن الترمذي، عن أنس أنه قال: "سألت النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يشفع لي يوم القيامة فقال: أنا فاعل، قلت: فأين أطلبك؟ قال على الصراط، قلت: فإن لم ألقك، قال: عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك؟ قال: عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه المواضع"، فهذا أنس قد طلب الشفاعة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) في دار الدنيا، ولم يطلبها من الله.(1) وقد طلب سواد بن قارب – وهو من الصحابة – الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله(2): فَكُنْ لِي شَفِيْعا يَوْمَ لاَ ذُوْ شَفَاعَةٍ بِمُغْنٍ فَتِيلا عَنْ سَوَادِ بنِ قَاربِ ولم ينكر عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينهه ولم يقل له لِم طلبت الشفاعة مني ودعوت غير الله (عزّ وجل) فأشركت مع إنّ الشفاعة كلّها لله (سبحانه وتعالى) ولا يجوز أن يدعى أحد مع الله (عزّ وجل)، فادع الله واطلب الشفاعة منه، وكذا رُوي عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله): "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلّا شفعوا فيه".(3) وأمثال هذه الروايات كثير أغنتها كتب الحديث، ولكن ابن تيمية وما تبعه انفردوا بقولهم في أنّ طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله) عبادة له، وهو مثل شرك الجاهلية العرب، وبهذه البدع والضلالات دعوا الناس إلى مذهبهم، وهم مصداق الآية الكريمة: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)/ (النساء:115). ...................................... (1) سنن الترمذي: ج4، ص621. (2) المعجم الكبير: ج7، 95. (3) صحيح مسلم: ج3، ص53.