رياض الزهراء العدد 93 أين صراطي المستقيم؟
لَيلَةُ الجُمَعَةِ.. وَريحُ الجَنَّة
في شكوى مُرّة، وبنبرة يائسة أخذت تسرد لي صديقتي أم زينب كيف أصبح بناتها الثلاث يتابعنَ بشغف وهوس برامج التسلية والمسابقات الغنائيّة في سباق محموم على القنوات الفضائيّة أو جهاز الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي، ولقد أبدت عجزها عن كبح جماح هذا الانجذاب والإعجاب بشخوص هذه المسابقات المفبركة ونتائجها، وفي حركة تبدي استسلامها قالت: أغيثيني، فلقد أعيتني الحيلة! والحقّ يُقال إنّ أم زينب مثال للمرأة المسلمة المثقّفة والمتفانية لإسعاد أسرتها وتلبية طلباتها مع انفتاحها الفكري والثقافي والاجتماعي على كلّ جديد لا يتعارض مع القيم والثوابت الدينيّة والإنسانيّة. ومن هنا وجدت أنّ شكواها هي بالذات، وقد كنتُ أحسبها وأسرتها مثالاً حيّاً على الالتزام الديني وروعة التجانس مع المستجدات الحياتيّة، جرس إنذار كان لابدّ من التوقّف عنده، وإلقاء الضوء على علّة أخذت تستشري في عوائلنا ومجتمعاتنا. ولمّا كان الإعلام ووسائله الاتصاليّة المتعدّدة سريعة التطوّر، هي من أخطر عوامل التأثير في المجتمع المعاصر، فإنّ إلقاء الدلو في هذه البئر العميقة وإبداء الرأي في نوعيّة المياه التي تغرقنا فيها غدا أمراً يرتقي إلى مصاف النصح والإرشاد، وما الدين إلا النصيحة. إنّ الإعلام في يومنا هذا نوعان: إعلام هادف، وإعلام مضاد له، يتنافسان على ذات المتلقي لجذبه كلّ إلى حظيرته، ولعلّ برامج البث المباشر هي الأشدّ خطورة على فئة الشباب من الجنسين، فهذه البرامج والمسابقات هي سلسلة من الحلقات المتشابكة، والتي تغزل شبكة صيدها بصنعة متّقنة، ومحكمة الربط والطرح في مفاهيمها ومغازيها وأهدافها. ومن الجدير بالذكر أنّ هذه البرامج تحتاج لتنفيذها إلى ميزانيّات ضخمة تتعدى إمكانيات القنوات الفضائيّة أو المؤسسات الإعلاميّة، ولذا تقف وراءها جهات راعية نضع على أسمائها ألف علامة استفهام واستفهام؛ ولكي تلبس هذه البرامج لبوس المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، فإنها تنفذ بأسماء وإمكانات وأدوات عربيّة تحت مسمى جمع الكفاءات والقدرات والمواهب من مختلف البلدان العربيّة مع تضمينها أقصى عوامل الجذب التقنيّة والماليّة، من رصد جوائز قيمة، ورحلات أحلام، وتحقيق رغبات فرديّة وجمعيّة، بل تلجأ في بعض فقراتها إلى إشراك أسر المشاركين وأصدقائهم في التنافس. إنّ برامج (اللايف) هي صرعة أجنبيّة تمّ استيرادها وتهجينها في قنواتنا العربيّة؛ لترسيخ مبادئ وقيم غربيّة وصهيونيّة بامتياز، هذا من جانب، ومن جانب آخر تؤدي هذه البرامج مهمتها في هدم مبادئ وقيم إسلاميّة وإنسانيّة تحرص على الحفاظ عليها كلّ أسرة وقناة ومؤسّسة تربويّة في طرحها المتوازن القويم، والتنفير منها. فلمَن الغلبة؟ وكيف ستكون المواجهة؟ وهل وسائلنا في المعالجة والتصدي ستكون ناجعة؟ إنّ هذا الحديث ذو شجون، ولنأخذ مثالاً ما طرحته السّيّدة أم زينب من أنّ بناتها اللواتي هنّ مثال الالتزام الديني والخلقي، أصبحن شغوفات بمتابعة برنامج (ستار أكاديمي) و(عرب أدول) وغيرها، وما عادت قادرة على ردعهنّ أو كبح جماح هذا الانجذاب حتى لو أدى ذلك إلى تهاونهنّ في أداء واجباتهن الدينيّة، إذا ما تعارضت مع أوقات بث تلك البرامج، ولا غرابة في أنّ بث تلك البرامج قد استحوذ على أوقات يُطلق عليها (أوقات الذروة) في البث، وهو أمر مقصود في اختيار السهرة يومي الخميس والجمعة! (يُقال إن القائمين عليها قد تقاسموا أوقات البث بعد أن لاحظوا أن البث في وقت واحد يضرّ بكليهما، فتمّت القسمة هكذا!). فهل لاحظتم كيف درس أعداء الدين الإسلامي أهميّة ليلة الجمعة ويومها في حياة المسلم، وأنها من أفضل الأيّام والليالي وفيها أعمال ووقفات رحمانيّة لا تتكرّر إلّا في الأسبوع: مرة واحدة، فليلة الجمعة ونهارها يمتازان على سائر الليالي والأيام سمواً وشرفاً ونباهة، وقد رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "..فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق في كلّ ساعة منها ألف ألف عتيق من النار..".(1) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنّ للجمعةِ حقّاً فإيّاكَ أن تضيّع حرمته..".(2) وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة".(3) فهل علمتم لِمَ اختاروا الجمعة وليلتها لبث سمومهم الإعلامية في بيوتنا الآمنة؟! ................................ (1) مستدرك سفينة البحار: ج6، ص414. (2) مفاتيح الجنان: ص73. (3) الكافي: ج3، ص413.