المعرِفة ومسأَلَة الدينِ والتدينِ

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 47

إنّ في داخل كلّ إنسان دافعًا فطريًا يدفعه للبحث والسؤال عن معرفة الحقائق وأسرار الأشياء التي تظهر له منذ بداية طفولته، وتُفتح عند أوان إدراكاته إلى نهاية عمره، وهو ما يُعبّر عنه بـ(حبّ الاستطلاع)، ومن أهمّ المسائل التي تؤرّق فكر الإنسان مسألة الدين والتديّن، وسبب وجوده، والهدف منه، ونهايته. ومع وجود دافع (حبّ الاستطلاع) لديه، تطالبه نفسه وبإلحاح شديد للبحث والتفكير عن المسائل التي تُطرح باسم الدين، إذ إنّ ما يحيط به من الحقائق والظواهر كلّها تثير عنده الفضول في معرفة المسبّب لهذا الوجود الهائل، وما صفاته وغايته من خلق هذا كلّه، فيكون طلب هذه المعرفة واجبًا عقليًا للحصول على إجابات تقنع الإنسان بغضّ النظر عن معتقده وتوجّهه؛ لذلك لم يغفل القرآن الكريم في آياته عن هذه الحقيقة في الإنسان، فحثّه على التأمّل والتفكير؛ ليوقظ عقله وفطرته، ويستفيد ممّا وهبه الله تعالى من قابلية الفهم والتعقّل في تفسير الظواهر، ويتنبّه بذلك إلى الحقائق والمعارف التي يتساءل عنها، فمَن يقرأ القرآن الكريم، فسيجد الكثير من الآيات الحاثّة على التفكّر في الآفاق والأنفس، كقوله تعالى: أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (الروم:8)، فهذه الآية ونظيراتها تبيّن أنّ التفكّر يوصل الإنسان إلى أنّ هذا الخلق لابدّ له من خالق، وهذا الخالق عالم حكيم لم يخلق كلّ ذلك عبثًا. وعلى الرغم من أنّ معرفة كنه ذات الله تعالى مستحيلة، وليست بمقدور أحد حتى الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين، إلّا أنّ هناك وصيّةً قيّمةً وردت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن معرفة الله تعالى، إذ قال (عليه السلام): "لم يُطلِع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته"(1)، فقوله (عليه السلام) يشير إلى أنّ العقول وإنْ كانت غير مأذونة في تحديد الصفات الإلهية والوقوف عليها، لكنّها غير محجوبة عن المعرفة والاستدلال على إثبات وجوده تعالى، ومعرفة صفاته وأفعاله، فقد نصّ الله سبحانه وتعالى على أسمائه وصفاته في كتابه المجيد، ووردت على لسان نبيّه وآله (صلوات الله عليهم)؛ لكي يتدبّرها الإنسان في حدود ما يمكنه ممّا أفاض الله سبحانه عليه من نعمة العقل والفكر. ............... (1) نهج البلاغة: ص٤٩