رياض الزهراء العدد 219 رتاج العلم
"العلم يحرسك"
عندما يتحدث أمير البيان (عليه السلام) عن موضوع ويرشد إليه، فهو باب مدينة العلم، وقد بين (عليه السلام) في مقارنة جميلة ورائعة الفرق بين العلم والمال؛ ليوجه مسامع مستمعه كميل بن زياد وقلبه، وكل من يصله كلامه إلى أهمية العلم؛ ليقرر أولوية العلم وأنه المحور في كل حركة وسكون؛ وأن الإنسان في كل مفاصل حياته محتاج إلى العلم، بل في كل موهبة إلهية وهبها الله (عز وجل) إياه، فعنه (عليه السلام): "يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم والمال محكوم عليه"(1). وقد أثبت الإمام علي (عليه السلام) هذه الأولوية من وجوه عدة، منها: 1ـ إن ميزة العلم أنه يحرس صاحبه من مكاره الدنيا والآخرة، وأنه يحفظ إيمانه من الانحراف والانجراف خلف الأهواء، بينما المال يحتاج إلى حراسة من اللصوص والسراق، وقد يهوي بصاحبه. 2ـ إن العلم يزكو وينمو بتعليمه وإفادته لطالبيه؛ وهنا تكمن أهمية التدريس والمذاكرة، ففي ظل هذا التواصل الفكري تترسخ المعلومة وتثبت، بينما المال ينقص بالنفقة. 3ـ الإحسان بالعلم باق ببقاء العلم، فمداد العلماء وآثارهم العلمية باقية ما بقي الدهر ولا تزول، وصنيع المال والإحسان به يزول بزواله. 4ـ معرفة العلم وتحصيله دين يدان به، وهذا يدل على أن العلم هو أصل مأمور به في الدين، وهو واجب من واجباته، ففي حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "اعلموا أن صحبة العالم واتباعه دين يدان الله به، وطاعته مكسبة للحسنات، ممحاة للسيئات، وذخيرة للمؤمنين، ورفعة فيهم في حياتهم وجميل بعد مماتهم"(2)، أي أن صحبة العالم والجلوس في حلقات درسه مثرية للعلم، وتحصين للدين. 5ـ بين (عليه السلام) الأثر الطيب للعلم في نفس العالم؛ فينال السمعة الطيبة في حياته والأثر الحسن بعد مماته، فقال (عليه السلام): "وجميل الأحدوثة بعد وفاته"(3). 6ـ كون العلم حاكما والمال محكوما عليه: فبديهي أن حصول الإنسان على المال إنما يكون غالبا في ظل العلم والمعرفة، وكذلك التصرف فيه وإدارته تحتاج إلى علم ودراية. .......................... (1) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ: ج10، ص194. (2) موسوعة العقائد الإسلامية: ج2، ص450. (3) نهج البلاغة: ج4، ص36.