رياض الزهراء العدد 219 هندسة الحياة
منع بنكهة العطاء
كثيرٌ من الأحلام والأمنيات يتخللها بعضٌ من الأهداف المدروسة الواضحة المعالم، ذات التخطيط الإستراتيجي، سواء الشخصي أو المؤسساتي، تتسابق فيما بينها لنيل شرف قص شريط السباق، ولعل العامل المشترك بينها جميعا هو الحماس المتزايد كلما قربت النهاية، وهذا الحماس يشمل كل أمر نمر به، وننتظر بفارغ الصبر اكتماله، والشعور بالسعادة وراحة البال. تزداد وشائج الارتباط قوة ومتانة كلما انسجمت تلك الأهداف مع الحاجات والرغبات السامية للشخص، وفي سبيل الفوز بها، لابد من الاجتهاد والتغلب على الصعوبات، واجتياز كل الحواجز، وتبديد كل ما تشكل من الأفكار المعيقة للحركة، وهنا تبرز طريقة تعامل الإنسان مع ما يعيق التقدم نحو الهدف، فالكثير منا لا يتعامل مع الصعوبات بالشكل الصحيح، بل يبني من تلك الأحجار المعيقة للتقدم جدارا حائلا بينه وبين معانقة سحب النجاح اللطيفة، والمفعمة بأريج التفاؤل والأمل، ويقتفي أثر جميع أنواع العتاب، فيضج صدره بمشاعر عدم الرضا عن التأخير الحاصل لتحقيق المراد، وقد ورد في الدعاء: "فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك..."(1)، وتخرج من بين شفتيه كلمات المقارنة بينه وبين الآخرين، فيرتدي نظارة التشاؤم وعدم الرضا، وكل ما يرافقهما من أمور تكدر تفاصيل الحياة. هناك الكثير من الأسباب التي توصل الفرد إلى ما سبق ذكره، من ضمنها عدم التسليم بقضاء الله تعالى وقدره، وجهله بالأحداث المستقبلية التي لا يتمكن عقله القاصر من استشعار الخير فيها، مثلما أن لسوء الظن الحصة الأكبر في الشعور بالضجر والعتاب لعدم الاستجابة؛ لذلك من المفيد أن يتحلى الإنسان بالصبر، ويتقن مهارة التفاؤل والتفكير الإيجابي، ويحرر الذهن من قيود التشاؤم الخانقة، فكم من الأمور التي يقاتل الإنسان من أجل امتلاكها، ويصدم بعدم الحصول عليها، ويصاب بالأذى النفسي لمدة طويلة، ثم بعد مدة من الزمان يحدث الله أمرا، فتزال الغشاوة من على عينيه؛ ليقع ساجدا شاكرا لله على عدم الاستجابة في وقتها، ويكتشف حينها الفضل الإلهي الواسع عليه؛ لذا لابد من بناء عقلية إيجابية تسهم في تحسين نوعية حياتك، وتنمية الشعور بالسلام الداخلي، ومواجهة المخاوف والتحديات عن طريق استمرار المحاولات، وإغلاق أي ثغرة لتسلل اليأس إليك، والتفكير بعمق بكلمات الدعاء: "ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور"(2)؛ لندرك أن الله سبحانه يختار لنا ما هو أفضل لحماية أنفسنا، أو لأن الظروف لم تكن مناسبة بعد لتحقيق ما نريد، وفي النهاية، نكتشف أن الأمور التي كانت تتأخر هي بالفعل خير لنا؛ ليكون هذا المنع هو أعلى درجات العطاء والخير. ................................. (2،1) إقبال الأعمال: ج1، ص302.