رياض الزهراء العدد 219 أنوار قرآنية
نزول سورة (الإنسان) في فضل أهل البيت (عليهم السلام)
إن سورة الإنسان المعروفة أيضا بسورة (هل أتى) من السور التي تحتل مكانة خاصة في تفاسير أهل البيت (عليهم السلام)، فعن أبي حمزة الثمالي في تفسيره قال: (إنها مدنية، نزلت في علي وفاطمة (عليهما السلام) السورة كلها)(1)، مشيدة بفضائلهم، وإيثارهم وصبرهم في سبيل الله تعالى. أجمعت التفاسير على أن السورة تخلد موقفا عظيما من مواقف الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين (عليهم صلوات الله) وخادمتهم فضة، حين تصدقوا بطعامهم لثلاثة أيام متتالية على الرغم من حاجتهم إليه، فأنزل الله هذه الآيات تكريما لهم. وسبب نزول السورة أن الإمام عليا (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) نذرا صيام ثلاثة أيام إن شفي الحسن والحسين (عليهما السلام) من مرض أصابهما، وبعد شفائهما صاموا جميعا ثلاثة أيام، وفي كل يوم عند الإفطار كان السائل يطرق بابهم، فآثروه بطعامهم وبقوا لثلاثة أيام يفطرون على الماء فقط، فنزلت الآيات المباركة: (ويطعمون الطعام علىٰ حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) (الإنسان:8-9)، فأشاد الله سبحانه بإيثار أهل البيت (عليهم السلام)، الذين قدموا طعامهم خالصا لوجهه تعالى، من دون انتظار أي مقابل دنيوي. مكانة أهل البيت (عليهم السلام) في السورة إلى جانب قصة الإيثار، تتحدث السورة عن مكانة أهل البيت (عليهم السلام) عبر ذكر جزاء الصالحين في الآخرة، فيقول تعالى: )فوقاهم الله شر ذٰلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا( (الإنسان:11-12)، ففي هذه الآيات بشارة لأهل البيت (عليهم السلام) بالنعيم الأبدي؛ لأنهم بلغوا أعلى درجات الصبر والتقوى، فأكرمهم الله بالجنة والرضوان. دلالة الآيات على منزلة أهل البيت (عليهم السلام) 1ـ إبراز الإيثار المطلق: تدل الآيات المباركة على أن أهل البيت (عليهم السلام) هم في قمة الإيثار، إذ لم يحتفظوا بطعامهم على الرغم من حاجتهم إليه، بل أعطوه لغيرهم. 2ـ الإخلاص في العمل: تشير الآيات المباركة إلى أن عملهم كان خالصا لوجه الله تعالى، ولم يكن طلبا للشكر أو الجزاء. 3ـ المقام الرفيع عند الله تعالى: تبين السورة فضل أهل البيت (عليهم السلام) في الدنيا والآخرة. وهناك مفاهيم عميقة أخرى تشير إليها السورة، منها: 1ـ إثبات قدرة الله تعالى في خلق الإنسان: تبدأ السورة بتذكير الإنسان بأصله وأنه كان عدما، مما يدل على ضعف الإنسان وفقره إلى الله تعالى. 2ـ الابتلاء والاختيار: تشير آيات السورة إلى أن الله سبحانه خلق الإنسان ومنحه حرية الاختيار بين الإيمان والكفر، مما يعكس مسؤولية الإنسان عن مصيره. 3ـ جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين: تعرض السورة وصفا مفصلا لنعيم المؤمنين في الجنة، وفي المقابل تحذر الكافرين من العذاب. 4ـ فضل الإحسان والصدقة: تبرز السورة الأنموذج الأكمل للمؤمنين الذين يطعمون الطعام على الرغم من حاجتهم إليه، مما يدل على أهمية الإيثار والإنفاق في سبيل الله تعالى. 5ـ الإخلاص لله تعالى والثبات على الطاعة: تتحدث السورة عن الصابرين الذين يعملون الخير لوجه الله سبحانه من دون انتظار مقابل، مما يعكس قيمة الإخلاص في العبادات. 6ـ تأكيد نعيم الآخرة: توضح السورة أن جزاء الآخرة أعظم وأدوم من أي متاع دنيوي، مما يحث الإنسان على التركيز على العمل الصالح. إن سورة الإنسان تعد شاهدا على عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وفضلهم، مما يجعلها إحدى أعظم النصوص التي تبرز فضلهم في القرآن الكريم. ............. (1) مجمع البيان: ج10، ص210.