رياض الزهراء العدد 219 ألم الجراح
زفراتٌ على معاصم المعصوم
في ملحمة الشغف وعند سفوح الأنين، وبين متاهات الجراح، استيقظ الوجع طابعا آهاته على المدينة، خيم الحزن على لياليها، وذابت معالم الفرح فيها، حتى بدأ الدمع يسرد قصة ألم عالق في ناصية الوهن، إذ انطفأت شموع الأمل في حضنها الأخضر. سامراء لا تعرف كيف اجتاحت تلك الصور المخنوقة أزقتها، بين عتمة الضلال وضياء الحق، كيف مزقت ثوب اليقين، وقيدت يد المعصوم في غياهب السجون، ليرتسم دمه الطاهر على الجدران الصامتة، كأنه يخط معاناة الرسالة الإلهية بأحرف من وجع، هناك تهاوت أقنعة الظلم، وتجلى سلطان الطغاة الذي أراد أن يطمس النور في بئر الباطل. في فضاء المدينة، ترتجف الحجارة المبعثرة، وتبكي السلاسل الثقيلة التي قيدت الإمام الكاظم (عليه السلام)، في ارتعاشها تحاول كسر القيود، تبتغي إنقاذ ترتيل القرآن من قضبان الاغتراب؛ لئلا تصلى في المحراب صلاة الرحيل. آه يا سامراء! كم خبأت من آهات تقاوم النسيان، وكم احتضنت من أوجاع حفرت آثارها في صخورك الصماء! كم عانقت من زفرات مترنحة على كتف الوجع، من خلف أفق مثقل بالحنين تستجدي المدينة بعضا من الصبر، علها تهدئ عواصف الألم، وتقتلع ألف قهر من ثغور الانكسار. هناك، خلف الأبواب المؤصدة، زنزانة ضمت قلبا غارقا في ترانيم الدعاء، يهمس في الظلمة بتسابيح تلامس شهقات الرجاء، تتجرع روحه مرارة الغربة بعدما سقاها القدر كأس الوحشة والخذلان. تنتظر سامراء أن تقرع أجراس اللقاء، أن يضاء طريق الغياب، أن يتجلى نور صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، فتعود أنفاس المدينة إلى الحياة.