خبرٌ على ورق

فاطمة رحيم المعيوفي/النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 34

ساقتها الأقدار حتى وصلت إلى أرض غريبة، لم يكن بها من يقدرها أو يتفهم أوجاعها، إذن ليست هذه البقعة الجغرافية غاية صاحبها، فليكن للرياح رأي آخر، إذ أخذتها بلا أقدام إلى أماكن بعيدة؛ ليلتقطها (إبراهيم) أحد أطفال القرية، جذبته ألوانها البراقة، ولم يكن يعلم أن في داخلها سوادا داكنا، وحزنا عميقا. أخذها راكضا إلى بيته، إلى أخته الكبرى؛ لتساعده على معرفة ما فيها، وعندما أمسكت بالورقة لتقرأها، تغيرت ملامح وجهها، وملأت الدموع عينيها، ولما رآها بهذه الحال اندهش، وقال: لم البكاء والنحيب؟ فأرادت أن تخفي عنه ما عرفته من الرسالة، لكن كيف؟ استدارت لتجلب لعبة من على الرف لتعطيها إياه؛ ليتركها ويذهب ويلعب مع أصدقائه، عله ينسى أمر الورقة التي جلبها، ثم قامت بوضع الورقة داخل إحدى الكتب. دارت الأيام ومضت السنون، كبر (إبراهيم) وصار صحفيا بعد أن أكمل دراسته في كلية الصحافة والإعلام، وفي ليلة غاب فيها القمر، جلس إلى نافذة غرفته يتأمل النجوم المتناثرة في السماء، فسرح في عالم الذكريات، إلى حيث أيام الطفولة والأيام الخوالي التي لا تتكرر في حياة كل إنسان، وهو يغوص في بحر الذكريات وجد نفسه واقفا بإزاء المكتبة البيتية، يتصفح الكتب القديمة، وفي طيات إحداها وجد تلك الورقة، فتأسف لنسيانها، ووجد أن الوقت قد حان لقراءتها، فعاد إلى مكانه ليقرأ محتواها، مر المشهد القديم في ذاكرته مرة أخرى، ولاح منظر أخته عندما ذرفت الدموع، فأخذ يبكي، ولشدة تأثره بما قرأ، قرر ألا يعيد الورقة إلى الكتاب مثلما فعلت أخته سابقا، فما فيها لا يجب دفنه، بل يجب أن يعرف محتوى الورقة الناس كلهم، أعاد صياغة ما كتب فيها لنشره وجعله مقالا، ثم وضع معه صورة لافتة لكي يستدعي انتباه القارئ، كانت الصورة تجمع بين الراية، والتراب، ويد عليها دم متجمد عليها آثار الشظايا، وكتب تحت الصورة مقالا بعنوان (خبر على ورق)، وأردف قائلا: كان شاهدا على أفعالهم اللاإنسانية، رأى قسوتهم ومدى كرههم، حتى الأطفال لم يسلموا من حقدهم، فكانوا يجندونهم، ومن يعترض منهم يعذبوه بوحشية أمام الأطفال الآخرين لكي يكون عبرة، حاول هذا البطل وبقية الأبطال من إخوته أن يوقفوا هذا الظلم، ويضعوا له حدا حماية لأبناء بلدهم، لكن كان لهذا الأمر ضريبة يجب دفعها، فقدموا أنفسهم فداء، وأي تضحية تضاهي هذه التضحية، فالجود بالنفس أقصى غاية الجود، لا مثيل لإيثارهم ولتضحياتهم، ولما تحملوه من أجلنا ومن أجل أطفالنا وأرضنا، فنحن نعيش أحرارا من بعد فضل الله تعالى بفضلهم، فاقطعوا هذا المقال من المجلة وضعوه في إطار وعلقوه في بيوتكم كصور أحبائكم؛ ليتربى أطفالكم على تلك المبادئ العظيمة والأخلاق الفريدة، وعلموهم أن قراءة سورة الفاتحة كل يوم على أرواح شهدائنا، هو بمنزلة رد لجميل صنعوه، ولنغرس روح العطاء بداخلهم مثلما كان شهداؤنا يفعلون.