"ودع سالما"
كان (ميثم بن يحيى الأسدي أو الكوفي) رجلا صالحا من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) وحوارييه، فارسي الأصل، ولد بالقرب من (النهروان) لعائلة تميزت ببساطتها وولائها لأهل البيت (عليهم السلام). كان (ميثم التمار) عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه الإمام علي (عليه السلام) وأعتقه، فقال له:"ما اسمك؟ قال: سالم، فقال: "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وصدقت، هو اسمي، قال: فارجع إلى اسمك، ودع سالما فنحن نكنيك به"، فكناه (عليه السلام) أبا سالم(1)، ولأنه كان يبيع التمر في الكوفة لقب بـ(التمار). كان (ميثم) من المقربين إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن خواص أصحابه، وسبب قتله حبه الشديد وولاؤه لأهل البيت (عليهم السلام)، وبعد أن أمر ابن زياد (لعنة الله عليه) بقتله وصلبه لرفضه التبرؤ من أمير المؤمنين (عليه السلام)، قطعت يداه ورجلاه ولسانه، ثم صلب على جذع النخلة، ودفن جسده الطاهر بالقرب من مسجد الكوفة. كان (ميثم التمار) صلب الإيمان، فاهما، عالما، محبا للعلم، مما جعله يتعلم الكثير من العلوم من الإمام علي (عليه السلام)، وكان من شدة فهمه وعلمه وصراحته وشجاعته يظنون أنه فقد عقله، فقد كان واثق الخطى، فاسم (ميثم) يعنى الشديد الوطء(2)، فكان (رضوان الله عليه) اسما على مسمى، وكان يحدث بعض الناس بما سيحصل لهم، أو بقرب موتهم؛ لأنه خصه الإمام علي (عليه السلام) بعلم البلايا والمنايا، فعن أبي خالد التمار، قال: كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة، فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الزيان، قال: فخرج ونظر إلى الريح وقال: شدوا سفينتكم، إن هذا الريح عاصف، مات معاوية الساعة (3)، وعندما ألقي المختار الثقفي في السجن، كان ميثم التمار مسجونا معه، وذات يوم قال المختار لميثم: إن هذا الظالم سيقتلنا بعدما قتل ابن رسول الله، قال ميثم: أخبرني حبيبي علي أني سأقتل وأصلب على جذع نخلة، أما أنت، فستخرج من السجن، وستقتل هذا الطاغية برجلك على وجهه(4). وكذلك كان مفسرا للقرآن الكريم، وله أربعة من الأولاد: عمران، صالح، شعيب، حمزة، وكان أربعتهم من أصحاب الأئمة (عليهم السلام). وقد وصف (ميثم التمار) يوم عاشوراء وصفا دقيقا، فعن جبلة المكية، قالت: سمعت ميثم التمار يقول: والله لتقتل هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإن ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء، حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحر، والطير في السماء، ويبكي عليه الشمس والقمر، والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجن، وجميع ملائكة السماوات والأرضين، ورضوان، ومالك، وحملة العرش، وتمطر السماء دما ورمادا(5). فالسلام على ميثم التمار يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا. .......................... (1) بحار الأنوار: ج ٣٤، ص ٣٠٢ (2) لسان العرب: ج12، ص629. (3) ميثم التمار: ص8. (4) مع الصحابة والتابعين، ميثم التمار: ص 12،13. (5) علل الشرائع: ص 179.