القائد الإلهي
قائد في عمر الثامنة، يدير بكفه وبطرف عينه أمور المسلمين وأفئدة المنجذبين إليه، بل المعاندين كذلك! ذو بصيرة نافذة، يحيط علما بما ينبغي رفد الأمة به وتوجيهها إليه، مجتهدا في حفظ الهوية الدينية للأمة، ليس في زمانه فقط، بل لتحفظ هذه الهوية ما بقي الدهر. الإمام علي الهادي (عليه السلام) عاش في زمان هيمنة الجور العباسي الذي اتسم حكامه بالفساد بمختلف أشكاله، واستشراء الظلم والاستبداد، واضطهاد أتباع آل محمد (صلوات الله عليهم)، مما أدى إلى تصاعد الثورات العلوية. عمل الإمام الهادي (عليه السلام) على إدارة المجتمع الشيعي بسرية تامة تقية، مشبعا حاجاتهم الدينية، والروحية، والنفسية، فبقي على صلة بالشيعة عبر أصحابه الخلص، محافظا على حياتهم من خطر انكشاف الولاء والانتماء لخط السماء، وعلى ذلك تشهد كتب التاريخ التي امتلأت بالأحداث التي تبين مدى الظلم والاضطهاد في عهده (عليه السلام) حين حمل بعض الشيعة أموالهم من الأخماس والنذور والهدايا والجواهر، قاصدين في مسيرهم هادي الأمم الذي أرسل رسوله في طريقهم حتى يرجعهم لكون الظروف غير مؤاتية، وما لبث أن أرسل لهم عيرا ليحملوا عليها ما يريدون من دون الحاجة لأن يشخصوا بأنفسهم (1)؛ حفظا لهم من يد البطش، وتسكينا لأفئدتهم بتحسس الرعاية المباشرة من المعصوم. هذا القائد الإلهي الثائر في سرية على بطش السلطات وشراسة الغزو الديني، والفكري، والثقافي الذي ترعاه الحكومات المنحرفة، واجه العقائد الفاسدة التي تبنتها المدارس المختلفة، كالمعتزلة، والأشاعرة، والغلاة، والتي جهدت في إثارة شبهات عقائدية تزعزع العقيدة في نفوس الأفراد، كشبهة الجبر والتفويض، وإمكان رؤية الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وتأليه الإمام، وغيرها من الشبهات، عمد (عليه السلام) إلى تفنيد هذه الشبهات، وتبرأ من القائلين بتأليه المعصوم، ثم خط منهج السلامة العقائدية عبر ما بثه للناس من إرث دعائي عالي المضامين، يعمق محورية وجود المعصوم في السلوك إلى الله تعالى، والسلامة من آفات المنحرفين عقائديا، معززا دور الولي، ومبينا علو مقامه بدقة ووضوح، كاشفا صراحة عن مقامه المتمحض في العبودية التامة لله تعالى، ليروي بهذه المعرفة ظمأ القلوب التائهة في صحراء الفتن عبر نصي (الزيارة الجامعة الكبيرة، والزيارة الغديرية) هاديا إلى طريق لا لبس فيه ولا اشتباه، في علاقة طولية يحملنا فيها الانتماء للإمام الانتماء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) حتى نصل إلى الله تعالى بقلب سليم في الاعتقاد والمنهج، مبينا (عليه السلام) ما للمعصوم من الفضل والكرامة عند الله تعالى؛ لخلوص العبودية له، تلك العبودية التي ينبغي أن يجتهد فيها السالكون إلى الله تعالى من دون أن يخضعوا لهوى النفس، ومضلات الفتن، وهيمنة حكومات الجور. هكذا هو الإمام المعصوم، طبيب دوار بطبه(2)، فالسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يرجع في دولة العدل لتسر به أعين المؤمنين، وهم يحفون به كفراش متفان في نور الولي. ............................. (1) بحار الأنوار: ج٥٠، ص١٨٥. (2) شرح نهج البلاغة: ج7، 183.