ولاية الحق المبين

أمل حميد الموسويّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 22

أراد الله سبحانه وتعالى إكمال دينه وإتمام نعمته على عباده، فجاء الأمر الإلهي بوجوب الإعلان عن الإمام والخليفة بعد الانتهاء من آخر حجة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، مع حذره (صلى الله عليه وآله) من ردود فعل القوم، لكن الوحي بشره: (وٱلله يعۡصمك من ٱلناس) (المائدة:67)، وهو جواب قطعي لما توجس منه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بل هو بشارة اطمئنان من الله سبحانه إلى حبيبه المصطفى الذي يرى ما في القلوب، ويعلم مستقبل الأمة وهي تبدي أحقادها وبغضاءها لآله (عليهم السلام)، وكيف سيحرفون الحقائق ويقلبون الأمور، حتى تندرس الوصية، وتنكث الوعود، ويبدأ الجور والعدوان على أهل بيت النبي (صلوات الله عليهم) بالقتل والسبي والتنكيل والاضطهاد. وبعد أن نزلت الآية الكريمة: (يٰٓأيها ٱلرسول بلغۡ مآ أنزل إليۡك من ربك وإن لمۡ تفۡعلۡ فما بلغۡت رسالته وٱلله يعۡصمك من ٱلناس إن ٱلله لا يهۡدي ٱلۡقوۡم ٱلۡكٰفرين) (المائدة:67)، جمع الحجاج في منطقة (غدير خم)، وأرجع الذين تقدموا منهم، فكان عددهم يومذاك (150) ألفا، وفي رواية أخرى (200) ألف، فضلا عن كون (70) ألفا منهم من أهل المدينة المنورة وما حولها، بحضور الصحابة جميعهم من دون أن يتخلف منهم أحد؛ ليكون الإعلان الرسمي عن الخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مرئيا ومسموعا لدى الجميع، وليكون حجة عليهم بما يعنيه (الثقلان) اللذين سيتركهما الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في أمته منعا للضلال والتيه من بعده، وجعل الباري (عز وجل) هذا التبليغ معادلا ومساويا لتليغ الرسالة والجهاد والصبر نفسه طوال سنوات البعثة، فيا له من أمر عظيم مواز لكل ذلك الكفاح المضني في إرساء تعاليم الدين والإيمان بالله تعالى؛ ليؤكد أن هذا الإيمان لا يكتمل إلا بالإمامة التي سيصرح بها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقوله تعالى: (وٱلله يعۡصمك من ٱلناس) كان دافعا لسرعة التبليغ قبل الوصول إلى المدينة؛ لأمر لا يعلمه إلا الله سبحانه. وعندما استقر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) على المنبر الذي صنعوه من أقتاب الإبل؛ ليكون مشرفا على الجميع، بحيث يراه ويسمعه القريب والبعيد بصوته الجهوري الواضح، إذ كان يلقي خطبته الشريفة جملة، جملة بروية، مع الإجابة عن استفسارات الحضور من دون انزعاج، وكانت القلوب والأذهان والأسماع مصغية إليه باهتمام بالغ، وعندما رفع إليه أخاه وابن عمه علي المرتضى (عليه السلام)، آخذا بيده، رافعا إياه حتى بان بياض إبطه الشريف وهو يعلن للملأ: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله"(1)، استبشر المؤمنين لهذا النبأ العظيم؛ لكنه أغاض المعاندين، ونزل عليهم النبأ كالصاعقة، وقد أفصح رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته عن تعداد الأئمة (عليهم السلام) وأسمائهم وصفاتهم، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه عن جده، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "قال رسول الله: الأئمة بعدي اثنا عشر"(2)، فوقوف الإمام علي (عليه السلام) إلى جانب المصطفى (صلى الله عليه وآله) حين أعلن إمامته وولايته الواجبة كانت الضربة القاصمة لهم، لاسيما حين أفرد النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) خيمة خاصة لأمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لأخذ البيعة وتلقي التهاني التي قصمت ظهر المؤامرة، وجاء المعاندون صاغرين لتهنئة الإمام (عليه السلام)؛ لأنهم كانوا عاجزين عن إظهار الرفض بحضور النبي (صلى الله عليه وآله)، وكلما حاولوا أن يمكروا، كان الرسول (صلى الله عليه وآله) أقوى من أن يدع مؤامراتهم تصيب ابن عمه، فكانت محاولاتهم تبوء بالفشل الذريع، لكن في لحظات عمره الشريف الأخيرة، حين طلب (صلى الله عليه وآله) أن يكتب وصيته بخط يده لكي لا تضل الأمة من بعده، تنازع القوم عنده، ومنعوا كتابة الوصية. ما يزال التعتيم على النور ساريا حتى يومنا هذا، لكن نور الإمامة أكبر من ضلال المضلين: (يريدون أن يطۡفـٔوا نور ٱلله بأفۡوٰههمۡ ويأۡبى ٱلله إلآ أن يتم نوره ولوۡ كره ٱلۡكٰفرون) (التوبة:32). إنها ولاية الحق، ودين الحق، اللهم فثبتنا على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). ...................... (1) بحار الأنوار: ج37، ص126. (2) من لا يحضره الفقيه: ج4، ص179-180.