العدوانية لدى الأطفال: لغة الغضب التي تحتاج إلى ترجمة

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 8

سقط الكأس من يد (سامي)، وتناثرت شظاياه على الأرض تماما مثلما تناثرت كلماته الغاضبة في أرجاء الغرفة، تراجع خطوة إلى الوراء وقلبه الصغير يخفق بسرعة، بينما كانت عيناه معلقتين بوجه أمه، لم يكن متأكدا مما يخيفه أكثر: هل الزجاج المكسور أم نظرة الحزن العميقة التي ارتسمت على ملامحها؟ فهو لم يكن يريد أن يكون غاضبا، أو أن يصرخ، أو أن يرمي ألعابه، أو أن يدفع صديقه في المدرسة، كل ما في الأمر أنه لا يعرف كيف يخبر أهله أن شيئا ما بداخله يضيق، يختنق، يتمزق، لكن الكلمات لم تكن تخرج مثلما يريد، فخرج الغضب بدلا منها. تنهدت أمه بهدوء، ثم انحنت أمامه على غير العادة ولم تنظر إلى الزجاج المتناثر، بل في عينيه الممتلئتين بالحيرة، مدت يديها إليه، ضمته إلى صدرها برفق وقالت: حبيبي، تحدث بلسانك لا بيديك، أخبرني بما يزعجك، فأنا لا أفهم لغة الغضب هذه. في تلك اللحظة، شعر (سامي) بشيء مختلف، فلأول مرة لم يقابل صراخه بصراخ، ولم يقابل غضبه بعقاب، ولأول مرة شعر أن هناك من يريد أن يسمعه لا أن يخاف منه، فرفع رأسه إلى أمه وهو متردد قليلا، ثم همس: أنا حزين، لكني لا أعرف كيف أقول ذلك. ابتسمت أمه ومسحت على رأسه، وقالت: سأعلمك كيف تتحدث، وكيف تروي لي حزنك من دون أن تكسره على الأرض. في ذلك اليوم لم تحل مشكلة الغضب لدى (سامي) تماما، لكن شيئا مهما قد حصل، فقد بدأ (سامي) يتعلم لغة لم يستخدمها من قبل: لغة الكلمات بدلا من الصراخ. العدوانية لدى الأطفال: أسبابها وتأثيرها العدوانية عند الأطفال ليست مجرد سلوك سيئ يجب معاقبته، بل هي رسالة غير مفهومة تصدر عن طفل لم يجد طريقة صحيحة للتعبير عن مشاعره، فقد تظهر العدوانية على شكل صراخ، أو ضرب الآخرين، أو تكسير الأشياء، حتى رفض التعاون مع الآخرين، والسؤال المهم: لماذا يلجأ الطفل إلى العدوانية؟ ربما يكون من أبرز الأسباب المحتملة للعدوانية عند الأطفال هو عدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم، فيخرج الغضب بديلا تلقائيا للقلق، والتوتر، والشعور بالإهمال، أو الغيرة من الإخوة، وهذه السلوكيات قد تدل على الدوافع الخفية وراء العدوانية، وكذلك تعود بعض الأسباب إلى التنشئة الأسرية والسلوك المكتسب، وبعضها إلى الشعور بالعجز والإحباط، أما من ناحية تأثير العدوانية سلبا في الطفل، فتشمل: 1ـ ضعف العلاقات الاجتماعية وصعوبة تكوين الصداقات. 2ـ انخفاض مستوى الثقة بالنفس بسبب التوبيخ والعقاب المستمر. 3ـ احتمال تطور السلوك العدواني إلى مشاكل سلوكية أكثر تعقيدا في المستقبل. وهنا يكمن السؤال الأهم: كيف نساعد الطفل على التعبير عن خلجاته بطريقة صحيحة؟ ينبغي العمل وفق الخطوات الآتية: 1ـ تعليم الطفل لغة المشاعر: مثلما فعلت والدة (سامي)، فيجب أن نعلم الطفل كيف يسمي مشاعره بدلا من أن يعبر عنها بالغضب، إذ يمكن استخدام عبارات من قبيل: هل أنت غاضب أم حزين، هل تشعر بالضيق والانزعاج؟ 2ـ الاستماع الفعال للطفل واحتواؤه: عندما يظهر الطفل سلوكا عدوانيا، فبدلا من معاقبته فورا، يجب أن ننتظر لحظة ونحاول فهم ما وراء هذا السلوك، فأحيانا مجرد الجلوس معه وقول: أخبرني ماذا حدث، يكون كافيا لتهدئته. 3ـ توفير بيئة أسرية آمنة وداعمة: يحتاج الأطفال إلى الشعور بالأمان العاطفي، فعندما يدرك الطفل أن والديه يفهمانه ويهتمان بمشاعره، فسيقل احتمال لجوئه إلى العدوانية. ختاما، العدوانية ليست هي المشكلة، بل طريقة التعبير عنها، فإن العدوانية ليست سوى محاولة يائسة للتواصل بلغة لا يفهمها الكبار، فعندما نعلم أطفالنا أن الكلمات هي الجسر إلى الفهم، وأن المشاعر يمكن التعبير عنها بطرق أخرى غير الغضب، فإننا لا نساعدهم على التخلص من العدوانية فحسب، بل نمنحهم مهارة سترافقهم مدى الحياة.