عيد الله الأكبر: تسامحٌ وتلاق

زهراء سالم الجبوريّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 11

أشرقت الشمس في وجه السماء، وغدت نغمة العصافير ترن في مسامع العباد، إنه يوم (18) من شهر ذي الحجة، يوم عيد الغدير الأغر، فرت القلوب قبل الأيادي تصافح وتعانق الأحبة بوجوه ملؤها البهجة والسرور، هرعت (نرجس) إلى غرفة أخيها (مجتبى) لتوقظه وتسلم عليه، ويستعدوا للذهاب جميعا إلى بيت جدهم: - مجتبى، استيقظ لتهيئ نفسك للذهاب إلى بيت جدنا. - كل عام وأنت بخير يا نرجس. - وأنت بخير يا أخي الصغير الجميل. - هيا انهض لقد تأخر الوقت. - لن أذهب معكم، فأنا لا أريد أن أرى ابن عمنا باقر. - لماذا يا عزيزي؟ - في زيارتنا السابقة لقد تجاوز علي بالكلام، وآليت على نفسي أن لا أحدثه أبدا. - ماذا قال لك؟ - قال اذهب أيها البدين. - لا تكترث لكلامه، فالسمنة ليست شيئا معيبا، إنما المعيب تنمره عليك. - لا أريد أن أراه لكي لا أسمع منه هذه الكلمة مرة أخرى. - لا تقل ذلك، واجعل صدرك رحبا. - هيا بنا، فجدنا بانتظارنا. - حسنا، سأذهب من أجل جدي. نهض (مجتبى) من سريره وهيأ نفسه، ثم سلم على والديه وأخيه الأكبر وراح يقبلهم ويلقي عليهم تهنئة العيد، ثم ذهبوا جميعا إلى دار الجد (أبو سعيد). وما إن وصلوا حتى هرع (مجتبى) نحو جده مسرعا؛ ليلقي عليه تهنئة العيد ويقبل يده: - كل عام وأنت بخير يا جدي. - وأنت بخير يا بني، اجلس بجانبي. - حسنا يا جدي. وبعد لحظات أقبل (باقر) وهو يحمل وردة حمراء، وما إن رأى (مجتبى) من بعيد حتى قال: - كل عام وأنت بخير أيها البدين. فصاح الجد: لا تقل ذلك يا باقر، وهم مجتبى بضرب ابن عمه، إلا أن الجد أمسك بيده، ثم قال: - تعال يا باقر اجلس بجنبي. وما إن جلس (باقر)، حتى راح الجد يحدثه وينصحه بالابتعاد عن الانتقاص من الآخرين، قائلا: هذه صفة ليست جيدة، وقد نهانا عنها الدين الإسلامي الحنيف، فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): "ضرب اللسان أشد من ضرب السنان"(1)، فلا تؤذ أخاك المؤمن بالتنمر عليه وجرح مشاعره؛ لأنك ربما يزيد وزنك وتغدو بدينا في يوم من الأيام. طأطأ (باقر) رأسه خجلا وقال: حسنا يا جدي، أنا آسف. ـ الجد: لا تعتذر مني، بل قم واعتذر من ابن عمك مجتبى. فقال مجتبى: لا أقبل اعتذاره، فلقد كررها معي أكثر من مرة. فقال الجد: لا يا ولدي، اكظم غضبك، ودع قلبك متسامحا لينا، فقد قال تعالى: )والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين( (آل عمران:134). تقدم (باقر) نحو (مجتبى) وأخذ يقبله ويلقي عليه تهنئة العيد ويعتذر إليه، وقدم له تلك الوردة، وعاهد الله سبحانه في يوم عيده الأكبر أن لا يتنمر على أحد أبدا، فما كان من الجد إلا أن ضمهما إلى صدره، قائلا: ـ بارك الله بكما يا أحبائي. ...................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص ٢٧٧٩.