رياض الزهراء العدد 93 ألق الماضي
السَّيّدَةُ أُمُّ كُلثُوم (عليها السلام)
المرأة في شريعة النبي (صلى الله عليه وآله) هي المدرسة الأولى في الحياة، وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية، ونقطة الانطلاق للمجموعة البشرية، ولولاها لما كان هناك بشر على وجه الأرض، ونظراً لكونها المهد الفطري للوليد، ولكون صدرها هو واهب الحياة للجيل، اهتم الإسلام بأن يلقي الضوء على شريعته وأحكامه في المرأة، ومكانتها في المجتمع والحياة. والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء لكي يعطي الصنفين الذكر والأنثى حقه في الحياة، وهو الدين الوحيد الذي أصلح عقلية الصنفين، وبعث في الأذهان فكرة إعطاء حقوق المرأة وحفظ كرامتها، وفتح أمامها أبواب العلم والمعرفة، وأباح لها أن تتعلم ما تشاء من العلوم المقدسة، كقراءة القرآن ودراسته وتفسيره، فكيف نرى تربية بنت المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وأغلى الفواطم، فهي بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وزوج الوصي المرتضى، وبينما كنت أبحث في أمر قد شغلني حول سيّدتنا أم كلثوم وجدت أنّ الآراء قد تضاربت وهنا لا يسع البحث إلّا لذكر ثلاثة من هذه الآراء: ذهب الرأي الأول إلى أن السيّدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمّها الصديقة الطاهرة سيّدة نساء العالمين زهراء الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنّ عمر بن الخطاب تزوجها، وقد ولدت منه ولدين، أحدهما عون والآخر معين، وقد كانا مع أمهما في الكوفة، فسقط عليهم جدار فتوفوا، وقد ذكر ذلك بعض فقهاء الشيعة في المواريث، وهناك أدلة على عدم صحة هذه الرواية بأن لفاطمة الزهراء (عليها السلام) بنتا واحدة لا أكثر، تُسمى بالسيّدة زينب (عليها السلام)، وتكنى بأم كلثوم.(1) أمّا الرأي الثاني هو: إنّ لفاطمة الزهراء (عليها السلام) بنتان لا بنتاً واحدة، أحدهما تُسمى بزينب (عليها السلام)، أو تُسمى زينب الكبرى، وثانيهما تُسمى بأمّ كلثوم، أو تُسمى بزينب الصغرى، وتكنى بأمّ كلثوم، وهذا الرأي هو المشهور عند علمائنا(2)، وإنها أفصح بنات قريش، كانت (عليها السلام) حاضرة يوم الطف في كربلاء، ورأت بأمّ عينيها الفاجعة الكبرى والمأساة العظمى، لِما حلّ بأخيها الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه من القتل، وما يثبت ذلك أدلة كثيرة منها أنّ الإمام (عليه السلام) لما نظر إلى (72) رجلاً من أهل بيته (عليهم السلام) وصحبه رضوان الله عليهم صرعى، التفت إلى الخيمة ونادى: (يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم عليكن مني السلام).(3) وبعد مصرع الإمام الحسين (عليه السلام) أقبل فرسه إلى الخيام فلما نظرن أخواته وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالبكاء ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت: (وا محمداه.. وا جداه.. وا نبياه.. وا ابا القاسماه.. وا علياه.. وا جعفراه.. وا حمزتاه.. واحسناه..) هذا الحسين بالعراء صريع كربلاء مجزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء.(4) أما الرأي الثالث: البنت الثانية لعليّ وفاطمة، وُلدت في السنة السادسة من الهجرة، وتربّت في حجر أمّها الزهراء (عليها السلام) في دار فسيحةٍ فساحةَ الإيمان والعشق.(5) والرأي الرابع هو: فيها الكثير من الغموض: في أصل وجودها, ومقدار عمرها, وأزواجها, وكيفية خطبة عمر لها, ووليها في التزويج وأولادها، ويُقال إن أم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب كانت بنت أسماء، وأخت محمد بن أبي بكر، فهي ربيبة الإمام علي (عليه السلام) وليست ابنته، حيث قال العلامة المجاهد السيّد ناصر حسين الموسوي: إنّ أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، فولدت له عوناً وجعفراً, ثم تزوجها أبو بكر فولدت له منها عدّة أولاد منهم أم كلثوم, وهي التي ربّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) وتزوجها الثاني، فكانت ربيبته (عليه السلام) وبمنزلة إحدى بناته، وكان (عليه السلام) يُخاطب محمداً بابني وأم كلثوم هذه ببنتي. (6) وهناك الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامة في أن أم كلثوم كنية لزينب الصغرى(7) أو الكبرى(8) أو لرقية(9). ................................... (1) موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام) (فاطمة الزهراء (عليها السلام)): ج9، ص212. (2) موسوعة الأسئلة العقائدية: ج3، ص148. (3) بحار الأنوار: ج45، ص47. (4) اللهوف في قتلى الطفوف: ج8، ص91. (5) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ج1، ص94. (6) الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية: ص426، إفحام الخصوم في تزويج أم كلثوم: ج2, ص376. (7) الإرشاد: ج1، ص34، بحار الأنوار: ج42، ص74. وهذا هو الرأي المشهور عند المؤرخين. (8) وهو ما يفهم من شعر الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي والسيد عبد الرزاق المقرم الاثي وغيرهما. (9) المجدي في انساب الطالبيين: ص17، عمدة الطالب: ص63، ينابيع المودة: ج3، ص147.