حين يصبح التعاطف علاجا.. احتواء المدرسة للتلاميذ المصابين بالأمراض المزمنة

ضمياء حسن العوادي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 7

لم تغب عن ذهني صورة صديقتي في المرحلة المتوسطة وهي في كل أسبوع يغمى عليها في الدرس أو يصفر وجهها، فكانت تنادي صديقتها لتحضر لها الحقنة لتحقن نفسها، وأحيانا نحقنها نحن حتى تستعيد عافيتها، في المرة الأولى ارتعبت من المنظر وأنا أراها تسقط على الأرض، إذ كنت طالبة جديدة في الصف، ومع تعاقب الأيام، صرنا نعرف كيف نتصرف، وكذلك المدرسة، حتى أنهينا مرحلة الإعدادية. أما الموقف الأكثر رعبا، فهو نوبة الصرع التي اعترت إحدى الزميلات، وبدأت ترتجف، ولم ندر ما نصنع، فتركناها وهربنا من الصف نحن والمدرسة، ثم عدنا لنراها جثة على الأرض مغمى عليها بعد أن أنهت نوبة الصرع، وقد تألمت كثيرا لأجلها، فلم نكن نعرف كيف نتصرف، حتى أخبرتنا هي بكيفية التصرف حين تداهمها نوبة الصرع مرة أخرى. هناك الآلاف من الطلاب المصابين بالسكري وأمراض أخرى، كالربو، وأمراض القلب، ممن يواجهون تحديات يومية في المدرسة، فبين رغبتهم في عيش يوم دراسي طبيعي، وبين خوفهم من نظرات الفضول أو الشفقة، يجدون أنفسهم أحيانا بين نارين: حاجتهم إلى العناية بصحتهم، وخشيتهم من أن ينظر إليهم على أنهم مختلفون. إن حاجة الطلاب الذين يعانون من الأمراض المزمنة إلى بيئة تعليمية تتفهم احتياجاتهم من دون أن تجعلهم يشعرون بالعجز أو التمييز ماسة، فالطالب المصاب بالسكري لا يحتاج إلى مراقبة مستوى السكر في دمه وتناول طعامه في أوقات محددة فحسب، بل يحتاج أيضا إلى أن يعامل بعفوية من دون تسليط الأضواء على حالته، وكذلك الحال بالنسبة إلى الطلاب الذين يعانون من أمراض مختلفة. التعامل مع هؤلاء الطلاب لا يتطلب معرفة طبية متخصصة، بل يكفي امتلاك قدر من الوعي والتعاطف الذي يساعدهم على التأقلم داخل بيئة مدرسية قد تكون أحيانا غير مهيأة لاستقبالهم، فقد يشعر الطالب المصاب بأزمة ربو مفاجئة بالإحراج عند حاجته لاستخدام بخاخ التنفس أمام زملائه، أو قد يخشى الطفل المصاب بالسكري من أن يسأل عن سبب تناوله الطعام في غير أوقات الاستراحة. دور المعلم وإدارة المدرسة المعلم هو أول من يلاحظ حالة الطالب في الصف، وهو الشخص القادر على خلق جو من الطمأنينة والاحتواء، فحين يفهم المعلم طبيعة المرض الذي يعاني منه أحد طلابه، يصبح قادرا على تقديم الدعم اللازم من دون إشعار الطفل بأنه مختلف، فيمكن للمعلم السماح للطالب المصاب بالسكري بتناول وجبته الخفيفة بهدوء من دون لفت الانتباه، أو التأكد من أن الطالب المصاب بالربو يجلس في مكان جيد التهوية، بعيدا عن مسببات الحساسية، أما إدارة المدرسة، فهي مسؤولة عن توفير بيئة مناسبة للطلاب الذين يعانون من أمراض مزمنة، وإعلام المعلمين بذلك، وتدريب المعلمين والموظفين على كيفية التصرف في الحالات الحرجة، مثلما أن من المهم أيضا أن يكون هناك تواصل مستمر مع أولياء الأمور؛ لضمان احتياجات الطفل الصحية. كيف يمكن للزملاء أن يكونوا داعمين؟ الطلاب الأصحاء قد لا يدركون تأثير كلماتهم أو تصرفاتهم في زملائهم المرضى، فقد يضحك أحدهم من دون قصد على طفل مصاب بالتلعثم نتيجة مضاعفات مرضه، أو قد يسأل آخر صديقه المصاب بالسكري بأسلوب محرج عن سبب حقنه نفسه بالأنسولين، لا من باب التنمر، بل من باب الفضول، ومواقف كهذه ربما تكون بسيطة، لكنها تترك أثرا عميقا في نفس الطفل المريض، بخاصة إذا تكررت، وهنا يأتي دور المدرسة والمعلمين في تعزيز ثقافة الوعي والتقبل عن طريق شرح مبسط للطلاب يوضح أن بعض زملائهم لديهم احتياجات خاصة، لكنهم قادرون على الدراسة والنجاح مثلهم تماما، فعندما يفهم الطلاب أن مرض زميلهم ليس شيئا مخيفا أو مثيرا للشفقة، بل هو مجرد جزء من حياته اليومية، فستصبح المدرسة مكانا أكثر أمنا للجميع. كيفية التعامل مع الطالب المريض في الحالات الطارئة: على الرغم من كل الاحتياطات، فقد تحدث حالات طارئة داخل المدرسة، وهنا يصبح الهدوء والتصرف السريع أمرا بالغ الأهمية، فإذا تعرض الطالب المصاب بالسكري لهبوط حاد في مستوى السكر، فقد يحتاج إلى تناول العصير أو إلى قطعة من الحلوى على الفور بدلا من إرساله إلى الإدارة وتأخير العلاج، فهو يعرف طريقة إنقاذ نفسه، أما إذا أصيب طالب بنوبة صرع، فيجب على المعلم التأكد من وضعه في مكان آمن من دون محاولة إيقاف النوبة بالقوة. من الضروري أن يكون هناك دليل إرشادي لكل مرض مزمن، يتضمن الإجراءات التي يجب اتباعها في حالات الطوارئ، وأن يكون المعلم أو أحد الزملاء على دراية بهذه الإجراءات، فالاستعداد المسبق قد يشكل فرقا بين الأزمة البسيطة التي يتم التعامل معها بسهولة، وبين الحالة الخطرة التي تخرج عن السيطرة.