وأحلق في سمائها

آمنة عادل الأسدي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 14

ليس هناك أغلى مما يملكه الإنسان ويؤخذ منه عنوة، فكيف بالأمهات الباسلات اللواتي فقدن أولادهن في سوح الوغى ويتوجن بتاج الفخر أنهن أمهات الشهداء؟ هناك فرق كبير بين النساء، تترتب عليه منازل في الدنيا والآخرة. أتساءل: كيف أكون فاطمية زينبية في خضم الأوضاع الراهنة التي تلتف حولنا المغريات كي تزحزحنا عن الصراط المستقيم؟ وحين أتأمل سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تتملكني الرغبة بالاقتداء بها من رحاب واسعة، إلى حيث الجهاد الحقيقي في دار الأمير، وكلمة الحق للدفاع عنه في أحلك الظروف. اصطفاها الله سبحانه لتكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ولشدة إعجابي بهذه النسلة المباركة، أسابق للسير نحو آلاء الله تعالى، والتزود من سيرتها العطرة، لقد علمتنا يداها أن نأكل مما نصنع، فهي كانت تعجن وتخبز لأولادها، وتقترض الشعير من جارهم اليهودي، ثم تجود بأقراص الرغيف على اليتيم، والمسكين، والأسير. إن كل حركة من حركاتها، وكل فعل من أفعالها وسنتها، حري أن تقتدي به الدول لا الأفراد فقط، علمتنا (سلام الله عليها) الاكتفاء الذاتي، وحسن الجوار، فتوصي أولادها بالجار قبل الدار، وهي تصلي في محرابها تدعو لشيعتها ولجيرانها، نهتدي بهداها هدى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنأكل من كد أيدينا وندعو لجيراننا، ونتعايش مع من يخالفوننا في المعتقد، وفي النهاية أصبح ذلك اليهودي مسلما ببركتها. ينتابني الحماس فأتساءل: متى سألحق بالركب المبارك؟ تركع الدنيا صاغرة تحت قدمي سيدة النساء (عليها السلام) وأمام عظمتها، إذ تصدقت بثوب زفافها وهو ثوبها الجديد الذي أرادت أن تلبسه في عرسها، فارتدت ثوبها القديم؛ لأنها عملت بقوله تعالى: ﴿لن تنالوا البر حتىٰ تنفقوا مما تحبون﴾(1). يقف القلم عجزا أمام هذه العظمة، وهناك أسئلة شتى تتزاحم في فكري ومخيلتي، وحين يسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حالها داخل البيت، فيجيب: "...ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان"(2)، فكانت أبر وأتقى من أن يعاتبها (عليه السلام) على شيء من الأشياء مما يعاتب فيه الزوج زوجته. وكانت (عليها السلام) تصدت بكل قوة وشجاعة للمطالبة بحق إمامها، وهي بذلك تعلمنا أنه لا يضيع حق وراءه طالب، وهذه شريعة تتعلم منها الشعوب تحرير بلدانها، والمطالبة بحقوقها وحقوق شعوبها في العيش الكريم. إنها (عليها السلام) معلمة الشعوب والأجيال، وحديثنا عنها على قدر إدراكنا لا قدرها الحقيقي. أعود بعد رحلتي هذه إلى نفسي وأسأل: هل سأكون ممن يسيرون على درب الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وأهتدي بسنا ضيائها؟ فهي الشمس التي تشرق كل يوم في سمانا. ............................. (1) شرح إحقاق الحق: ج19، ص114. (2) حياة أمير المؤمنين (عليه السلام): ج1، ص106