سَعادَتُهُم_ عبد الله وآمنة وزواجهما المبارك

رنا الخويلدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 223

حينما يقترن الإيمان مع التقوى، والعفّة مع الحجاب، والطهر مع الخدر، يكون حقاً على هذا الاقتران أنْ تصبحَ ثمرته (محمداً (صلى الله عليه وآله)) خاتم الأنبياء وأفضلهم، حيث كانَ لابدّ لخير عباد الله من أن يكون والدهُ عبد الله، ولابدّ لأمان أهل الأرض من أن تكون أمه آمنة، هذه هي الحقيقة التي خاطبَ الله (عزّ وجل) بها نبيّه (صلى الله عليه وآله) في محكم كتابهِ بقوله: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)/ (الشعراء:219) ليبيّن أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ما حملته إلّا الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة حتى انتهى إلى أنجح زوجين ـ إن صحَّ التعبير ـ وهما عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب. فعبد الله ما كان اختياره لآمنةَ عشوائياً أو ضربة حظٍ، بل إنّ التأريخ يذكر أنّه كان من نور وجهه وامتيازاته المعنوية تعرفه اليهود بأنه سيكون والد النبيّ (صلى الله عليه وآله) المذكور في التوراة والإنجيل، ولتلك الامتيازات قد رغبته النساء، وقد عرض عليه أشراف مكّة الزواج ببناتهم، بل وكاتبه حتى ملوك الشام والعراق أيضاً على رغبتهم بتزويج بناتهم له، إلّا أنه أبى، وبمجرد أنْ عرض عليه أهل آمنة التزويج من ابنتهم آمنة قَبلَ ذلك.. على الرغم من أنها كانت قليلة المال. إذن فالطهر والعفاف والتدين كان مقياس عبد الله الأساس لاختيار شريكة حياته، فأين أفراد مجتمعنا من الاقتداء بهذا المقياس الذي أصبحت ثمرته رسولاً هو أفضل الرسل وأشرفهم، إذ إن مقاييس المجتمع لاختيار شريك أو شريكة الحياة ـ للأسف ـ باتت عكس ذلك غالباً.. وأوّل هذه المقاييس هو أن الشاب يختار الفتاة فقط على أساس الجمال الظاهري، ولا يسأل عن دينها وأخلاقها، أو أنه يعدّ الدين والأخلاق مقياساً ثانوياً وليس أساسياً في الزوجة المرتقبة، في حين نقرأ أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) شجّع على ذات الدين بقوله: "إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكلّ إلى ذلك، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال".(1) حتى الفتيات منهنّ مَن يقع اختيارها فقط على صاحب الجمال الظاهري، أو على صاحب الثروة بغضّ النظر عن دينه، في حين نقرأ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً شجّع على صاحب التدين، بقوله: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه.."(2)، هذا المقياس الأول في مجتمعنا باختيار شريك أو شريكة الحياة. أمّا المقياس الثاني فهو أنّ الاختيار يتمّ من قبل الفتى أو الفتاة تحت تأثير علاقة عاطفية مفرطة، تغيّب كلَّ سلبيات الطرف الآخر، إلّا أنها بعد مدة وجيزةٍ من الزواج يتبخّر تأثيرها عنهما، فيظلّ أحدهما يكتشف سلبيات الآخر، ما يجعل المشاكل تشوب حياتهما وتعرقلها، والسبب هو عدم التفكر بالاختيار؛ لأن التفكر باختيار شريك أو شريكة الحياة هو الذي ينجح الزواج ويثمره، فقد قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)/ (الروم:21) إذن مما تقدّم يتحتم على كلّ فرد أن يختار شريك حياته الصالح؛ كي يُنشئا جيلاً يقوده الصلاح والتكافل.. فما أعظم مجتمعنا لو يكون الرجال كـ(عبد الله).. وما أجمل الحياة لو تكون النساء كـ(آمنة). ............................... (1) الكافي: ج5، ص333. (2) الكافي: ج5، ص347.