محطة الاعتراف

نور حسن الجبوري/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 11

هبات الرحمن كثيرة، وحاشى لذلك اللطف وتلك الهبات والرحمة أن تنقطع عن عباده المؤمنين والعاصين، فكلٌ ينهل منها بحسبه، فمن واسع رحمته تعالى أن وهب أياما وليالي مباركات لعباده، متفرقات على أيام السنة، هي بمنزلة المحطات التي يقف فيها العبد للاعتراف بما جنته نفسه من آثام، وخطايا، وسيئات، فيعترف بتقصيره في حق نفسه، وما اجترحته جوارحه طوال العام. أيام تمر عبر الزمان، كأنها فرص تتجدد للعباد، كتبها الله (عز وجل) للإنسان للنظر والوقوف على ما جنته نفسه، واقترفته يداه، وما سوف فيها من العبادات، والحقوق، والواجبات، فيا حظ من استثمرها ولم تفته الفرص، والمزايا، والبركات، والرحمات الإلهية، والفيوضات. أيام يعود فيها العبد الآبق إلى مولاه؛ ليفتح صفحة جديدة من عمره الثمين، ومن تلك الأيام والفرص هو يوم (عرفة)، فهو يوم عظيم الشأن، كريم العطاء، حتى اسمه يحمل دعوة للعبد بالاعتراف، فيخلو العبد بربه؛ ليتفرغ للاعتراف بذنوبه التي جناها طوال حياته، حتى وإن لم يحالفه الحظ في أن يقف على جبل (عرفات)، فقد جعل الله سبحانه وتعالى موطنا آخر أعظم شأنا ومقاما عند رب العباد للاعتراف، ذلك هو حضرة الإمام الحسين (عليه السلام) وتحت قبته الشريفة، مثلما صرحت بذلك روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فعن رفاعة النحاس، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: "يا رفاعة، أما حججت العام؟" قال، قلت: جعلت فداك، ما كان عندي ما أحج به، ولكني عرفت عند قبر حسين بن علي (عليهما السلام)، فقال لي: "يا رفاعة! ما قصرت عما كان أهل منى فيه، لولا أني أكره أن يدع الناس الحج لحدثتك بحديث لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) أبدا"، ثم نكت الأرض وسكت طويلا، ثم قال: "أخبرني أبي، قال: من خرج إلى قبر الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه غير مستكبر، صحبه ألف ملك عن يمينه، وألف ملك عن يساره، وكتب له ألف حجة وألف عمرة مع نبي أو وصي نبي"(1)، ففي حضرة المولى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يطوف الناس مرددين السلام، ويدعون، ويرغبون، ويعترفون بذنوبهم وتقصيرهم، وإسرافهم على أنفسهم، ويسألون الله سبحانه من فضله لأمر آخرتهم ودنياهم، فيغفر الله تعالى لهم ويستجيب دعواتهم، وينزل رحمته عليهم، فإذا انصرفوا من زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أشهد الله سبحانه ملائكته بعتق رقاب الزائرين من النار، فانصرفوا مغفورين مرضيين، فما أعظم الإمام الحسين (عليه السلام) حتى جعل الله تعالى زيارته من أوسع أبواب رحمته، وموطنا للتقرب إليه سبحانه بالاعتراف، فهو باب الله الذي منه يؤتى، وهو ملجأ المكروبين، والملهوفين، والمضطرين، والمحتاجين، فيا حظ من زار الحسين (عليه السلام)، ويا حظ من قضيت حاجته واستجيبت دعوته تحت قبته. .......................................... (1) مصباح المتهجد: ص716.