رياض الزهراء العدد 93 لحياة أفضل
مُشكِلَةٌ وَحَلٌّ فِي ظِلِّ التَّربِيَة_ إحياء الفطرة في وجدان الطفل
أهم الأمور التي يؤكد عليها علماء النفس التربية الدينية لدى الأطفال ومعرفة الغرائز والميول لديهم ومحاولة إحيائها وتوجيهها التوجيه السليم، ومن أكبر القوى والغرائز في الإنسان الفطرة التي أودعها الله (عزّ وجل) في كيان الإنسان على وجه الأرض. والفطرة موجودة لدى الكفّار والملحدين والمعاندين والفسّاق والظالمين، وهي لا تموت موجودة إلى آخر عمر الإنسان؛ لأنها نور وهّاج في قلبه، يدلّه على وحدانية الله تعالى، وحبّ الخير، وكراهية الشر، وكان من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الأنبياء (عليهم السلام) إيقاظ الجوانب الفكرية لدى الإنسان، واستغلال الثروة الإيمانية فيه، يقول الإمام علي (عليه السلام): "فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول".(1) ومَهمة الأنبياء (عليهم السلام) التذكير لهم، وإيقاظ عقولهم والتوجيه والحثّ لما هو موجود في قلب الإنسان، وإزالة الموانع، ورفع الأغلال والضلال والشهوات، حتى يتمكن من إدراك الحقائق والواقع. والسرّ في تسمية النبيّ (صلى الله عليه وآله) في القرآن بـ (المذكّر) أحياناً، وبـ (المعلّم) أيضاً؛ لأن عمله التذكير والتهذيب؛ ليوقظ الجوانب الفطرية في النفس الإنسانية، وينبّه الناس على ضمائرهم الباطنية، كما يعبّر القرآن الكريم: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)/ (الغاشية:21). ومن الأمور الفطرية الموجودة عند الإنسان التوحيد وحبّ الخير، واللذان جُبِلَ عليهما بفطرته، ولأجل ضمان بقاء هذه الفطرة يجب توجيه الطفل من قِبل الوالدين، وزرع الصفات الأخلاقية الحسنة، وقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه".(2) إنّ إحياء الشعور الفطري لدى الأطفال من أفضل وسائل التربية، وأمتنها وأقواها على الإطلاق؛ لأنها من صنع الله تعالى، وقد غرسها في قلبه؛ لتكون دليلاً إلى الله (سبحانه وتعالى)، ومن الأساليب المُثلى في إحياء الفطرة هو ربط القصص والحوادث الحياتية اليومية التي تمرّ بذاكرة الطفل بالخير والشر، فالمربّي الذي يريد أن ينتج أطفالاً محافظين على فطرتهم يجب عليه أن يحافظ عليها عن طريق المعاملة بالحُسنى، والتلطف، والحوار معه، وذكر القصص الأخلاقية؛ لأجل إيقاظ الفطرة لديه كما أنّ إثارة التساؤلات حول حوادث الكون الطبيعية وغير الطبيعية هي من أفضل الفرص لكي يتعرف الطفل على خالقه وتدبيره وهيمنته وعظمته، وقد استغل هذه الحقيقة الإمام الصادق (عليه السلام) حينما جاءه رجل وقد شكّ في أمر خالقه، فأجابه الإمام (عليه السلام) بطريقة فطرية جعلته يُسلّم بسهولة إلى حقيقة التوحيد. فقد سأله رجل قائلاً: يا بن رسول الله، دلّني على الله ما هو، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني، فقال الإمام (عليه السلام): يا عبد الله هلّا ركبت سفينة قطّ؟ قال نعم، قال (عليه السلام): وهل كُسرت بكَ حيث لا سفينة تُنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال نعم، قال (عليه السلام): فهل تعلّق قلبك بأنّ هنالك شيئاً قادراً على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: نعم، قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي غيره، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث غيره.(3) ........................... (1) نهج البلاغة: ص24. (2) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص238. (3) معاني الأخبار: ص4.