رياض الزهراء العدد 220 رسالة المرأة
ضرورة حذر الإنسان تجاه نواياه الحقيقية
الأمر الأول: إننا لا نستطيع بعد التأمل والتروي والانتباه إلى تقييم مجمل انطباعات الإنسان عن نفسه أن نثق بانطباعنا عن مقاصدنا ونياتنا في جميع الأحوال، وذلك لأننا نجد في شأن الآخرين أنهم يذكرون أمورا عن نياتهم ومقاصدهم الحسنة لا نثق بها، وربما نثق بخلافها، كما أننا نجد أن الفتاة قد تذكر حسن نيتها في بعض علاقاتها وسلوكياتها، ولكن الأم ترى أنها تنزع من خلالها إلى نوازع نفسية محددة ولو بشكل غير واعٍ، بل ربما نجد أن الإنسان قد يختلف تشخيصه لنواياه من تصرفات سابقة بعد مزيد من النضج في الحياة، كما يحلل الرجل والمرأة بعد تقدمهما في العمر بعض تصرفاتهما في مرحلة المراهقة والشباب على وجه مختلف عما كانا يتوقعانه عن نواياهم آنذاك. إن من الجائز أن نقصد أمورا في سلوكياتنا وأعمالنا قصدا غير واعٍ، بل قد يكون ذلك بشكل واعٍ بعض الشيء، ولكن الإنسان قد يموه الأمور على نفسه، ويصورها لنفسه على غير واقعها، وتلك صفة مشهودة لنا جميعا كما نجده بوضوح في حق الآخرين، ومن المعلوم أن ما يتفق للآخرين يجوز أن يتفق لنا أيضا؛ لأن الناس أمثال فيما يجوز أو يمتنع عليهم. إن من عقلانية الإنسان أن يكون قادرا على نقد نفسه ونواياه وتمحيصها، وأن يكون حذرا تجاهها، كما جاء في كلام للإمام علي (عليه السلام) يصف فيه المتقين بكل فضيلة إنسانية وإيمانية رائعة، لكنه يقول عنهم رغم ذلك: "إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي مني بنفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"(1)، وقد جاء في القرآن الكريم وهو الرسالة الإلهية الناصعة النهي عن تزكية المرء لنفسه، حتى أصبح ذلك أدبا إسلاميا متبعا، حيث قال تعالى: )فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقىٰ( (النجم:32)(2). ........................ (1) نهج البلاغة: ص305. (2) رسالة المرأة في الحياة: ص65-67.