أوراق الخريف

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 2

أينما تتجول عيناك تجدي الأرض مكسوة بسجادة برتقالية اللون، يمتزج معها بعض الاصفرار، وحين تنظرين إلى الأعلى، فسترين الشجرة الأم خالية الأغصان، كأنها محنية الساق، حزنا وألما على فراق أجزاء من جسدها، إذ كانت طوال الفصول السابقة خضراء يانعة المحيا، نابضة بالحياة، يستأنس بظلها الإنسان، وتتهادى على أغصانها أجمل الطيور، فتملأ الأجواء بأهازيج الفرح وأروع التغاريد، لكن الشجرة الآن تقبع وحيدة، توحي إلى كل من يراها بالحزن والفقد. لعل أغلب من يشاهدون أوراق الخريف وهي تتساقط على الأرض، يشعرون بالنهاية والفقد، وينظرون للشجرة كأنها قد وصلت إلى نهاية المطاف، وربما أراد بعضهم اقتلاعها لزراعة أخرى خضراء تسر الناظرين، بينما العكس هو الصحيح، إذ إن ما يحدث هو دورة الحياة الطبيعية التي نراها في أمور كثيرة من حولنا، انطلاقا من أنفسنا، فتلك هي رحلة التغيير والتجديد التي تمنحنا الطاقة والأمل والتفاؤل بالقادم الجميل، إذ نواجه التحديات بثبات وصبر، وتقبل تقلبات الحياة المستمرة التي تمنحنا فرصا متعددة للتعلم من هفوات الماضي، نستلهم من سقوط أوراق الشجر في الخريف دروسا وعبرا لعل من أهمها هو أن لكل مرحلة مدة محددة، وموسما خاصا بها بما يحمله من سعادة أو عناء، من نجاحات أو عثرات، والأجدر بنا أن نسلط الضوء على الجانب المنير في رحلة الحياة مهما كان ضئيل الحجم، فلو فكرنا لبرهة من الزمن بضوء تلك الشمعة الصغيرة، أو عود الثقاب الواحد في غرفة مظلمة، فسنجد أن له تأثيرا كبيرا لا يستهان به في إيصالنا إلى الطريق الصحيح في حال استثمرنا لحظات النور والتفاؤل بكل ذكاء وإرادة مستمدة من الاتصال الدائم بالله سبحانه وتعالى. ومن الجوانب المضيئة أيضا في سقوط أوراق الخريف، التحرر من قيود الأفكار السلبية، والذكريات المؤلمة التي تقيد حركة الإنسان، وتجعله حبيس الماضي، والأصح هو السعي لعدم التأثر السلبي، بل الانطلاق للوصول إلى السكينة الداخلية بالإيمان الذي لا يساوره الشك بأن كل ما يحدث هو خير لنا، والاطمئنان بقضاء الله وقدره، والتوجه بإخلاص للفوز بالراحة النفسية، مثلما جاء في قوله تعالى: )ألا بذكر الله تطمئن القلوب( (الرعد:28)، فالتفاؤل ليس مجرد كلمات تتناقلها الألسن، بل هو إيمان وعمل. سقوط أوراق الخريف ليس مجرد ظاهرة طبيعية تحدث في فصل معين من السنة، بل هو دعوة إلى التفكر في مراحل الحياة والتغيرات التي نمر بها، واقتناص الفرص لاستثمار الطاقات الكامنة بداخلنا نحو غدٍ أفضل.