الاستعداد للبلاء: دروس من ورود الإمام الحسين (عليه السلام) كربلاء

بيداء حسن العوادي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 27

لعل أصعب ما يلاقي الإنسان هو معرفته بأنه سيواجه ابتلاء أو مصيبة ما، وهذه المعرفة تتطلب استعدادا نفسيا للولوج في هذه العاصفة، وهو لا يدري بأي درجة من النجاح سيخرج منها، وأي طاقة سيكتشف بداخله، وكيف سينصر الحق ولو على حساب نفسه، وكيف ينعى وجعه بأنه لا سبيل سوى الخوض في تلك الموجة، عمق هذا الشعور يستشعر من قول الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه عند وصوله إلى كربلاء: "اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء، هذا موضع كربٍ وبلاء، انزلوا، ها هنا محط رحالنا، ومسفك دمائنا، وها هنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله"(1). لا عجب في أن نقرأ عبارات العتب والألم في خطابه (عليه السلام) حين أقبل على أصحابه فقال: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون"(2)، فبين أنفاس تلك الجمل، تتجسد مشاعر الأسى، ويتجلى هدف النهضة، فالإمام (عليه السلام) لم يكن ذاهبا إلى معركة سياسية، بل إلى امتحان إلهي أراد به أن يوقظ ضمائر قد أميتت، وأن يعيد إلى الحق صوته، وإلى الدين جوهره، وفي لحظة الفصل، حين نظر (عليه السلام) إلى أخته زينب (عليها السلام)، أوصاها بالوصايا الأخيرة قائلا: "احفظي العيال، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، وكوني قوية بعزاء الله"(3)، أراد (عليه السلام) أن يحملها رسالة الثبات، فكانت مثلما أراد، جبلا للصبر، لا تبكي على جرح، بل تنطق باسمه في وجه الطغاة. كربلاء ليست محطة الأحزان فقط، بل مدرسة الاستعداد والتوكل على الله تعالى، والقبول بما قسمه سبحانه للعبد، إذ يكون على موعد مع قدره، يحمل راية النور، ويعلم أن البلاء طريق الصادقين نحو الخلود، وأن الاستعداد للبلاء لا يعني تقبله فحسب، بل معايشة الوجع بإرادة واعية، وتحويل لحظة الألم إلى موقف، والخسارة الظاهرية إلى نصر خالد، فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن يجهل المصير، لكنه اختار ما اختار الله تعالى له ولأهل بيته وأنصاره، فالدماء التي سفكت في كربلاء، سقت شجرة الدين من جديد، فكل خطوة نحو كربلاء كانت خطوة نحو الخلود في سجل الله (عز وجل). في واقعة الطف تجلت مفارقات كبرى، إذ من قتلوا انتصروا، وأناس ظنوا أنهم منتصرون، فإذا بهم يموتون في لعنة التاريخ، لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم أن عظم المصيبة لا يقاس بكثافة الألم، بل بعمق المعنى؛ لهذا أعد أصحابه وأهل بيته، رجالا ونساء؛ ليكونوا على مستوى البلاء، ويجعلوا منه طريقا إلى الله تعالى، وها هي السيدة زينب (عليها السلام) قدوة المرأة المستعدة للبلاء، فلم تكن مجرد أخت شهيد، بل ناطقة بلسان نهضته الخالدة، تقذف بكلماتها في وجه الظلم من دون خوف أو تردد. الاستعداد للبلاء مثلما علمنا الإمام الحسين (عليه السلام)، لا يكون بالصراخ والنحيب، بل بالثبات، والوعي، والبصيرة، والإصرار على أن تكون كلمة الله سبحانه هي العليا، مهما كلف الثمن. ................. (1) اللهوف في قتلى الطفوف: ص49. (2) ميزان الحكمة: ج2، ص907. (3) الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص94.