رياض الزهراء العدد 220 ملف عاشوراء
حديث العصا
ألست عجماء؟ كيف تشعرين؟ أسمعك تنوحين في الخفاء، وكثيرا ما تذكرين كربلاء، كنت حاضرة، وبعين أحزانك ناظرة، فأنت رافقته، كعصا موسى الكليم (عليه السلام)، ربما كنت على أحزانه تهشين، وبنيران قلبه الشريف تحترقين. تحدرت دموع العصا وتنهدت، كادت تحرق عودها من حرارة الوجد، قائلة: ـ نعم، أيتها السائلة بعد طول السنين، سأدلي بشهادتي لأستريح وتستقر روحي، ربما يخضر عودي، وبذكره تبرأ جراح قلبي، ويسكن أنيني، لقد كانت حياة الإمام السجاد (عليه السلام) مليئة بالمحن والحوادث المؤلمة، فحزنه سرمدي منذ يوم عاشوراء، يتوكأ علي مرة، وعلى أحزانه أخرى، وبعين الأسى ينظر إلى عماته وأخواته، ويتنهد ألما على من مضى من أهل بيته الأكرمين، فسيد الشهداء (عليه السلام) مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، والجثث الزواكي هنا وهناك من الأخوة والأصحاب، وفوق مرضه الذي أثقل كاهله، بعيون دامعة وحرقة فؤاد، جمع الأطفال والنساء تحت خيمة أمانه، فهو (عليه السلام) سيد أهل الحجى وكهف الورى، وتتعاقب الآلام والأحزان، فمن مسيرة الكوفة إلى الشام، وبتلك الرزية التي تذوب منها الجبال الرواسي، حين رجع الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى مدينة جده، بدأت مجالس العزاء والبكاء، ولم يكف (عليه السلام) عن هداية الناس وبث علومه وعلوم آبائه الطاهرين (عليهم السلام) بين أصحابه وشيعته، فكان مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) يضج بطلاب العلم؛ ليتزودوا من علومه، ولقد كانت الأجواء بعد واقعة كربلاء مشحونة بجواسيس آل أمية، لكن الإمام زين العابدين (عليه السلام) استخدم أسلوب الدعاء الذي أسهم في نشر مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، وفضح الحكم الظالم، لكن بني أمية لم يدعوا الإمام (عليه السلام)، بل كانوا ينسجون خيوط الغدر ليل نهار، وهم لا يراعون لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) حرمة، فهبت رياح الحقد تهز أغصان الغدر، فتساقطت سما قاتلا، أنهى حياة إمامنا السجاد (عليه السلام)، فالتحق بالرفيق الأعلى محتسبا شهيدا، وسكتت العصا وأحرقت عودها بزفراتها، وظلت شاهدة مدى الزمان.