رياض الزهراء العدد 220 ملف عاشوراء
الأطفال في حضرة الطف
ينعم الأطفال طوال أيام السنة بالحياة مع الألوان المفرحة المناسبة لعالمهم، ولهم ألعابهم وطقوسهم الطفولية الخاصة، واستماعهم لما يحبون من أناشيد الطفولة، ومشاهدة أفلام الكارتون وبرامج الأطفال، فيما يأتي شهر محرم الحرام متشحا بالسواد، ساكبا الحزن في كل نفس تحب الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا تصبر على تذكر مصيبته ومصيبة عياله يوم عاشوراء الذي مهد له الإمام الحسين (عليه السلام)، ففي ليلة العاشر من المحرم كان (عليه السلام) يجمع حسك السعدان وهو نبات شوكي، خوفا على أطفال بيت الوحي من أن تدمي تلك الأشواك أقدامهم الناعمة وهم يفرون في البيداء من هجوم الأعداء ولهيب النار بعد أن يصبحوا يتامى، هؤلاء الأطفال عاشوا أحداثا مؤلمة لا يطيقها الكبار، فكيف يستوعبها الطفل اليوم الذي ستصبح هذه الصور جزءا من ذاكرته فيما بعد، وينقلها إلى أبنائه؟ كيف يستعد أطفالنا لاستقبال شهر محرم الحرام؟ كيف تقوم بهذه المهمة الأمهات؟ توجهنا بمجموعة من الأسئلة إلى الأمهات: ـ كيف تحولين شهر محرم الحرام إلى ذكرى لا تنسى من ذهن طفلك؟ ـ هل تجهزين له ملابس الحداد الخاصة بشهر محرم الحرام وما يتعلق بالمناسبة، كالأعلام والرايات؟ ـ من أي عام بدأت تحكين له عن واقعة الطف وشخصياتها وأحداثها بطريقة مبسطة تناسب عمره؟ ـ هل يشارك طفلك في مراسيم التعزية والاستماع إلى واقعة عاشوراء؟ ـ هل تقومين بتحفيظ طفلك بعض السور القرآنية ليهدي ثوابها للإمام الحسين (عليه السلام)؟ فأجابت السيدة غدير نزار/ مدرسة فيزياء: أبدأ بالاستعداد لشهر محرم الحرام عن طريق تغيير نمط عاداتنا اليومية، كشراء الملابس السوداء مع بداية شهر الأحزان، أما طفلي ذو العامين، فيشاهد مجالس العزاء عبر التلفاز ويتفاعل معها، ويردد المراثي معنا بطريقته الخاصة في النطق المتناسبة مع عمره، وهكذا يتحول المنزل كله إلى ركن حسيني، وعندما سيكبر طفلي، فسيستذكر الكثير من الذكريات العاشورائية، بخاصة أني نذرته لخدمة الإمام الحسين (عليه السلام) حين يكبر، فهو هدية منه (عليه السلام). أما السيدة فاطمة عبد الستار/ مترجمة، فقالت: أنا أم لثلاث بنات، أحرص قبل شهر محرم الحرام على شراء ملابس الحداد لهن استعدادا لشهر الأحزان، واصطحبهن معي أحيانا إلى المجالس الحسينية، ونستمع معا إلى المراثي والمحاضرات الدينية عبر التلفاز والجوال، ونردد المراثي مع الخطباء والرواديد الحسينيين، وأسرد لبناتي واقعة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وقصة مقتل رضيعه المظلوم، أسرد المقتل بشكل ملائم لعمر ابنتي ذات الثلاث سنوات لفداحة ما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره، وعندما تكبر، فسأشرح لها عن المقتل أكثر، فما جرى في كربلاء لا يحتمله قلب الكبار فكيف بالأطفال، مثلما أننا نستمع للمراثي طوال أيام السنة لأذكر بناتي بمصيبة الإمام الحسين (عليه السلام )، وعطشه وعطش عياله، وصبره وصبرهم، حتى يبقين على صلة مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلمت إحدى بناتي أن تقرأ سورة (الفاتحة) وتهدي ثوابها إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره (عليهم السلام). السيدة إيلاف أحمد/ ربة بيت، قالت: أنا أم لخمسة أطفال، قبل شهر محرم أشتري لهم ملابس الحداد، وأطواق الرأس المكتوب عليها (يا حسين)، والأعلام التي يفرحون بها كثيرا، ويقولون: نشعر أننا نحمل راية أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وأسرد لهم قصة الإمام الحسين (عليه السلام) بشكل مبسط يناسب أعمارهم، وأمثل لها بمثال معاصر، فأقول لهم: لو كان والدكم مشاركا في معركة الطف، فكيف كنا سنسانده، وماذا كنا نفعل وقتها؟ وأحرص على أخذ العبر من عاشوراء، وتعلم الصبر من مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، لاسيما أطفال الإمام الحسين (عليه السلام) الذين تعجز الكلمات عن وصف قداستهم وشجاعتهم في مجابهة الظلم والعدوان الذي تعرضوا له، ولا أخجل من بكائي أمام أطفالي، وكذلك أقوم بإعداد الشاي ليقوموا بتقديمه للمارة في الموكب الخاص بالأطفال الذي ينضمون إليه مع أبناء الجيران في كربلاء، ويفرحون كثيرا بزيارة بيت جدهم في النجف الأشرف، إذ ينضمون إلى مواكب الخدمة على طريق الزائرين في زيارة الأربعين، وحين يقدمون أقداح الماء للزائرين يقولون: هذا القدح على حب الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك أخصص غرفة في المنزل لإقامة العزاء على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام)، وأشرح لهم الشعائر الحسينية؛ لأخلق خصوصية لهذه المناسبة تربطني بأولادي، وعلمت أطفالي الأكبر سنا أن يهدوا ثواب سورة (الفاتحة، والإخلاص) وقصار السور للإمام الحسين (عليه السلام)، وكلما تعلموا سورة، أهدوا ثوابها له (عليه السلام)، وعلمتهم أن يتوسلوا بالإمام الحسين (عليه السلام) في دعائهم لطلب خير الدنيا والآخرة. وقال الشيخ زهير ستار/ رجل دين: للطفل وجود محوري مؤثر للغاية، سواء في مشهد الطف الحقيقي المتمثل في ساحة الحرب في كربلاء، أو في مجال الامتداد، ومشهد الاقتداء والمواساة عبر إقامة الشعائر الحسينية، أي ما يكون عليه أطفالنا الآن في موسم الذكرى والحضور الحي، فللطفل وجود محوري من حيث أهمية تنشئته على روح النهضة الحسينية الرسالية، وتعليمه مقاومة الباطل، ومقاومة الظلم، ورفض التجاوزات على الحقوق والذمم، وهذا درس قيم يتلقاه الطفل منذ نعومة أظفاره؛ لينشأ على منهج الإمام الحسين (عليه السلام) روحا، وسلوكا، وثقافة، وامتثالا، فقضية الإمام الحسين (عليه السلام) غيرت مسار التاريخ، وصنعت المجتمعات، ومن جهة أخرى، نجد الطفل ببراءته وابتعاده عن التكلف والرياء، وزخرف الحياة والمظاهر، يستدعي أداؤه الحضور العاطفي المؤثر، ومن شأن ذلك أن يبقى مرسوما في خياله الفسيح، وذاكرته الحية، فيكون محصنا من مزالق الانحراف؛ لأن تركيبته المبدئية من ناحية، وتركيبته العاطفية من ناحية ثانية، صنعت شخصيته، وهما أهم عاملين في بنائها الثوري والتوعوي. إذن يجب على الآباء والأمهات العمل بسعي جاد لإحداث العلقة المتينة والعميقة عند أطفالهم بواقعة الطف ومبادئ كربلاء، ابتداء من حكاية الرزية وقصص المحن والمآسي وملاحم البطولة والإباء والشموخ وكل قيم الأخلاق الفاضلة والعظيمة التي رسمها أبطال الطف نسيجا فريدا لا نظير له، إلى لبس السواد، والمشاركة في مختلف الشعائر الحسينية، من مسيرات العزاء والبكاء واللطم والتشابيه، وحضور المجالس، والخدمة والبذل؛ لإيصال منهج الإمام الحسين (عليه السلام)، ففي ذلك غنيمة الدنيا والآخرة.