رياض الزهراء العدد 220 ملف عاشوراء
وهج الصلاة
تمر الأعوام وتتعاقب السنون، وتهل علينا من جديد الواقعة التي لا تصبح ذكرى، ولا يبهت وهجها، ولا يخف ألمها، إنها مناسبة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام). إن يوم الإمام الحسين (عليه السلام) استثنائي في الوجود، فلا يكاد يذكر اسمه الطاهر، حتى تفيض القلوب بشحنات نورانية، فمن نور اسمه ينتقل النور إلى أرواحنا، فنرى أثره في كل من اقترب من حضرته، أو نطق باسمه الشريف. مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) لها جاذبية روحية، تجذب المحبين من كل أصقاع الأرض، فتكون مجالسه (عليه السلام) موطنا للهداية، تدخل ببركتها القلوب في رحاب الله تعالى أفواجا. إذا تأملنا أحداث يوم عاشوراء، إذ السهام تتطاير، والسابقون من الأصحاب قد قضوا نحبهم، فسنجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) وسط هذا المعترك يقيم الصلاة، فوقف (عليه السلام) للصلاة غير آبه بالجراح، وصار أصحابه دروعا تحمي المصلين من رشق السهام، وفي فعله (عليه السلام) رسالة خالدة توثق جوهر نهضته الإصلاحية، فلم تكن الصلاة يوما مجرد أفعال جسدية، بل هي معرفة وصعود روحي، وارتقاء قلبي ليكون "قلب المؤمن عرش الرحمن"(1) يلمس أثره في الفرد والمجتمع، فالإنسان الذي تحققت فيه آثار الصلاة، يكون في مصاف الذين انتهوا عن الفحشاء والمنكر، وتكون صلاته بوابة إلى التقوى، فتمنحه مقاما رفيعا عند الله تعالى، وتشير النصوص الشريفة إلى بعدين عظيمين في الصلاة: الأول: أثرها في تزكية الروح وتهذيب السلوك، فالصلاة الحقيقية تثمر ملكات أخلاقية، تجعل صاحبها بعيدا عن المنكرات. الثاني: ذكر الله تعالى، وهو أعظم من مجرد اللفظ باللسان؛ لأن الذكر يعني حضور القلب في ساحة القرب الإلهي، والخوف من الله تعالى بعدم ارتكاب المنكرات، فمن لم تثمر صلاته سلوكا راقيا، وروحا سامية، فقد خسر، والإمام الحسين (عليه السلام) قدم حياته قربانا كي تبقى حقيقة الصلاة وجوهرها وأثرها في النفوس، وتسود كلمة الله تعالى وتعلو. إذا مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) مدرسة تربوية وتطويرية، قدم (عليه السلام) درسا في المحافظة على ارتقاء النفس حتى في آخر لحظاتها، فكلما صلى المرء، ارتفع درجة عند الله تعالى وعند رسوله وأهل بيته (عليهم صلوات الله أجمعين). ............................. (1) بحار الأنوار: ج55، ص39.