آخر شهيد هاشمي يعانق الإمام الحسين (عليه السلام)

إيمان صاحب الخالدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 34

بين الامتثال للأمر في البقاء مع العيال، والاستعداد للخروج إلى القتال، تكمن حيرة الفتى الهاشمي عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو يسمع استغاثة عمه الحسين (عليه السلام): "أما من مغيث يغيثنا لوجه الله، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله"(1)، فمع كل (ألا) تخرج من حنجرته اليابسة من العطش، هناك رجفة قلب يتيم، ودمعة عين يتبعها ألف سؤال وسؤال من عبد الله: هل هذا يعني أنها النصرة التي من أجلها أتى إلى كربلاء مع الإخوة؟ وهل هي التي قال عنها والده الإمام الحسن (عليه السلام): "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"؟(2)، وبين هذا وذاك، خرج عبد الله إلى باب الخيمة يراقب أحداث المعركة بين الحين والآخر، إذ لم يؤذن له بالخروج إلى ساحة القتال لصغر سنه، وبينما هو كذلك، إذ هدأت الأصوات فجأة، وانجلت الغبرة عن عينيه الغائرة من العطش والجوع ليبصر عمه الحسين (عليه السلام) يجود بنفسه، حينها لم يستطع عبد الله صبرا على البقاء وهو يرى ما يراه، فركض نحو عمه مسرعا بشدة غير آبه لما سيجري عليه، على الرغم من ملاحقة العقيلة زينب (عليها السلام) له لإرجاعه إلى الخيمة، خوفا عليه من بطش الأعداء، مثلما أمرها بذلك الإمام الحسين (عليه السلام)، لكن عبد الله امتنع امتناعا شديدا حتى أفلت منها قائلا: "والله لا أفارق عمي"(3)، ولما وصل إلى الحسين (عليه السلام) ووقف بجانبه ليدافع عنه، هوى بحر بن كعب –عليه لعنة الله- على الإمام الحسين (عليه السلام) بالسيف ليضربه، فصاح عبد الله صيحته المشهورة اللاطمة لصدر الرجس: "ويلك يا بن الخبيثة، أتقتل عمي؟!"(4)، لم تكن مجرد صيحة احتجاج، بل هي الغيرة العلوية الطاهرة التي تصوغ المواقف منذ الصغر، فهذا السيد الهاشمي لم يكن موقفه موقف الطفل، بل هو موقف عملاق لا يكون إلا من أنصار الحسين (عليه السلام) من أهل بيته وصحبه، وما كان من بحر بن كعب إلا أنْ ضربه بالسيف فقطع يده، عندها صاح عبد الله: "يا عماه"، ثم سقط في حجر الإمام الحسين (عليه السلام)، فضمه إلى صدره الشريف، فكان آخر عناق من شهيد هاشمي لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) الذي قال له: "يا بن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين"(5)، حينئذ تهللت أسارير عبد الله مطمئنا بقدوم الموت الذي يراه جنة، موقنا بلقاء الله تعالى من الحجر ذاته الذي ارتقى منه الطفل الرضيع مذبوحا، لكن ليس كدم الرضيع الذي صعد إلى السماء ولم يسقط منه قطرة، بل بدمٍ جرى على الأرض؛ ليخط فوق الضريح عنوان النصرة: آخر الشهداء عبد الله بن الحسن المجتبى (عليه السلام). ........................................ (1) بحار الأنوار: ج 45، ص 12. (2) بحار الأنوار: ج45، ص 218. (3) الإرشاد للمفيد: ج2، ص 110. (4) المصدر نفسه. (5) من أخلاق الإمام الحسين (عليه السلام): ص259.