الشعائر الحسينية في أقاصي المعمورة: مدينة (مونتريال)

خاصّ مجلّة رياض الزهراء(عليها السلام)
عدد المشاهدات : 56

أروى عيسى الياسري: هاجرت قبل (20) عاما إلى (كندا) التي تمتد من المحيط الأطلسي شرقا إلى المحيط الهادئ غربا، ويحدها شمالا المحيط المتجمد الشمالي، وتتقاسم حدودها البرية مع الولايات المتحدة الأمريكية جنوبا، وولاية (آلاسكا) في الشمال الغربي، لهذا أسميها الأرض القصية أو نهاية الأرض، ولم يطفئ جليدها الكثيف ولا مطرها الغزير حرارة شوقي إلى المجالس الحسينية ولو لثانية واحدة، حتى اكتشفت وجود حسينيتين ومسجدا بالقرب من مكان سكني في (مونتريال). تنسق إدارة الحسينيات والمساجد في (مونتريال) فيما بينها جدولا لأحياء مراسيم العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) طوال شهري محرم وصفر، فتبدأ مجالس العزاء للرجال من الليلة الأولى من شهر محرم الحرام، بينما تبدأ مجالس النساء من الليلة الخامسة من المحرم، وتقسم الحسينيات قاعاتها إلى قسمين، يخصص أحدهما للرجال والآخر للنساء، وتلقى المحاضرات في مجالس العزاء باللغة العربية أولا، ثم باللغتين الإنكليزية والفرنسية لكونهما اللغتين الرسميتين لمقاطعة (كيبك) التي تقع في ضمنها مدينة (مونتريال)، وتلقى بعض المحاضرات باللغة الفارسية عند حضور الناطقين بها، وتتناول المحاضرات المواضيع الدينية والتوعوية التي تشرح الدروس المستقاة من سيرة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، مثلما تلقى القصائد الحسينية، ويتطوع بعضهم للعناية بالأطفال الذين يرافقون أهلهم إلى المجالس الحسينية في مكان مخصص، مع تقديم أدوات الرسم للأطفال لرسم لوحات مبسطة عن واقعة الطف الأليمة، مع سردها لهم بشكل يناسب أعمارهم، ومنحهم الهدايا التذكارية المرتبطة بالواقعة. تمثل هذه المجالس فرصة لالتقاء الجاليات المخلتفة في لغاتها وثقافاتها، فمنهم من قدموا من قارة (أفريقيا)، ومنهم من (أوروبا)، وآخرون من (آسيا) والعالم العربي، جمعهم حب أبي عبد لله الحسين (عليه السلام). السيد سلام الموسوي: تنظم الجاليات الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) مسيرتين، تجوبان عدة شوارع في المدينة، وعند صلاة الظهر، تقام صلاة الجماعة في الحديقة العامة، تنطلق المسيرة الأولى يوم الأحد الذي يسبق يوم العاشر من المحرم، أما المسيرة الثانية فتنطلق يوم الأحد الذي يسبق أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، واختير يوم الأحد لأنه يوم العطلة في البلاد الغربية، ويهدى ثواب المسيرتين إلى روح الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته والمستشهدين بين يديه، وتهدف المسيرتان إلى نشر مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، وتعريف أتباع الديانات الأخرى بقضية الإمام الحسين (عليه السلام)، مما أدى إلى استبصار بعضهم وركوبهم سفينة أهل البيت (عليهم السلام)، وتتفاجأ بعض الجاليات بهذه المراسيم الحزينة، إذ كانوا يحسبون يوم عاشوراء عيدا من الأعياد، فكانوا يحتفلون به، لكن مع هذه الشعائر المقامة، يدركون حقيقة ما جرى في كربلاء. ترفع الرايات السوداء واللافتات المعبرة في أثناء المسيرة، وتوزع وجبات من الطعام والمياه التي تلصق عليها قصة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره على المارة، وبعضهم يستوقفنا للسؤال عن المناسبة، فنشرح لهم أحداث واقعة الطف، مؤكدين سبب خروج الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والطغيان. تتحدى المسيرة الظروف المناخية القاسية في البلاد، فلا توقفها العاصفات الثلجية في الشتاء، ولا سيل الأمطار في فصل الخريف، ولا شدة الرطوبة في الصيف. أروى عيسى الياسري: كنت دائما أتساءل: ماذا يمكننا أن نهدي للإمام الحسين (عليه السلام) لكي نخدمه؟ فسألت جارتنا التي سبقتنا إلى الإقامة في (كندا) وفي الخدمة الحسينية، فقالت: نهدي ثواب العمل المتواضع الذي نقوم به هنا للدفاع عن النساء المحجبات، وحقوق المسلمين، وزيادة الوعي المجتمعي بالمسلمين، وتقديم الخدمات الدينية والاجتماعية للجاليات المختلفة إلى روح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) لاسيما الإمام الحسين (عليه السلام). نسأل الله تعالى أن يتقبل منا، ومن كل العاملين والساعين إلى نيل قبس من وهج النور، فهو خير ما نختم به أعمالنا ومسيرتنا في هذه الحياة الدنيا، وأجمل ما نقدمه للإمام الحسين (عليه السلام) من هذه الأرض القصية.