الكذب الدفاعي عند الأطفال: لغة خوف تحتاج إلى ترجمة

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 27

تسقط الكلمات الخائفة من فم الأطفال دموعا ساخنة، محملة بعبارات منسوجة من كذبات مكشوفة، من قبيل: لم أكسر الكأس يا أمي، لقد كتبت الواجب يا معلمتي لكني نسيته في المنزل، وغيرها من العبارات، وهناك بعض التصرفات التي يقوم بها الطفل، كإخفاء ورقة الاختبار ذات الدرجات الضعيفة تحت السرير بتوقيع طفولي صغير ترتجف حروفه خوفا من ردة فعل الآباء عندما يعلمون بها. كلنا نعرف هذه المواقف جيدا، وربما كنا أبطالها في طفولتنا، أو رأيناها في سلوك أطفالنا، لكنها ليست مجرد أكاذيب طفولية، بل نداءات استغاثة مكتوبة بلغة الخوف، فما أزال أتذكر ذاك اليوم جيدا، عندما وقفت معلمتي والعصا تلوح في يدها، تفحص دفاتر الواجبات واحدا تلو الآخر، كان النوم قد غلبني في الليلة الماضية فنسيت كتابة الواجب، وحين جاء دوري تلقت يداي درسا في الحياة، درسا قاسيا مفاده: أن الصدق قد يكون خطرا، مما يدفعنا إلى التساؤل: لماذا يختار الأطفال الكذب؟ أبرز أسباب الكذب لدى الأطفال: 1ـ الكذب من أجل البقاء: وذلك عندما يصبح الصدق خطرا على الطفل، ويهدد حياته، فليس الكذب دائما انحرافا أخلاقيا، بل في كثير من الأحيان يكون استراتيجية للبقاء، يطورها الطفل لحماية نفسه، فماذا لو استبدلنا العقاب الجسدي بحوار يفهم الطفل أسباب الخطأ؛ لنجعل الاعتراف بالخطأ خطوة للتعلم، بدلا من كونه حكما بالإدانة؟ 2ـ كذب أحلام اليقظة: يكذب الطفل من أجل الهروب من واقع مؤلم، فمثلا يدعي امتلاك ألعاب جديدة، أو يختلق أصدقاء خياليين، فهو ليس مخادعا، بل حالما، يبحث عن ملجأ من واقع قاسٍ، فربما حاول تعويض نقص ما، أو حماية نفسه من نظرات السخرية والتنمر. 3ـ الكذب بالنيابة: وذلك عندما يكلف الأهل طفلهم أن يكون رسولا للأخبار الكاذبة، كطلبهم منه أن يكذب على الآخرين في مواقف مختلفة، كعدم وجود الأب في البيت، أو إخبار المدرسة بمرضه وعدم تمكنه من ارتياد المدرسة، أو حصول حادث ما للأسرة، وغيرها من الأكاذيب التي يسميها الأهل (كذبة بيضاء) تحمي الطفل، لكنها في الحقيقة توحي إليه أن الصدق خيار ثانوي، ولا ضير في الكذب. كيف نبني جسور الثقة مع الطفل؟ هناك خطوات بسيطة لربما تقلل الكذب لدى الأطفال، أو تمحوها بشكل كامل، منها: - استبدال العقاب بالحوار الهادئ مع الطفل، وتشجيعه على قول الحقيقة. - تفهم دوافع الكذب لديه. - أن نقول الصدق حتى في أصعب المواقف؛ لنكون قدوة صالحة للطفل. تذكري سيدتي: أن الطفل الذي يلجأ إلى الكذب طفل يبحث عن يد تمسك بيده لا عصا تنهال على جسده الرقيق، وأن الكذب الدفاعي ليس عيبا في الطفل، بل رسالة مشفرة إلى عالم الكبار تحتاج إلى أن نقرأ ما بين سطورها؛ لذلك توقفي في المرة القادمة التي تسمعين فيها طفلك يكذب واسألي نفسك: ما الذي يحاول طفلي أن يخبرني به؟ ما الذي يخاف منه حقا؟ فوراء كل كذبة دفاعية، قلب صغير يحاول أن يجد طريقه إلى البقاء بأمان.