رياض الزهراء العدد 220 في ضيافة الرياض
رقية علي: صوت من نورٍ لخدمة القرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام)
في زمن كثرت فيه الانشغالات وتعددت المسؤوليات، تبرز نماذج استثنائية تثبت أن الإرادة الصادقة والإخلاص لله تعالى كفيلان بصناعة التميز. حافظة القرآن الكريم (رقية علي جفيت) طالبة في المرحلة الرابعة في كلية التمريض، ومدرسة القرآن الكريم في العتبة الحسينية المقدسة، تجسد الأنموذج الناجح للفتاة المؤمنة التي جمعت بين التفوق العلمي، وبين خدمة القرآن الكريم، وبين حبها لخدمة أهل البيت (عليهم السلام) رثاء، وتعليما، وسلوكا، أجرينا معها حوارا نسلط الضوء فيه على محطات من مسيرتها المباركة، ونتعرف على التحديات التي واجهتها، والدروس التي اكتسبتها، والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها في طريقها النوراني: كيف بدأت رحلتك مع القرآن الكريم؟ وما الذي ألهمك حفظه؟ بدأت بحفظ القرآن الكريم وأنا في الصف الثالث الابتدائي، وكان الدافع الأكبر لحفظه هو اقتدائي بأئمتي (عليهم السلام)، فهم حفظة كتاب الله تعالى وحملته، إضافة إلى التشجيع المستمر من والدي اللذين كان لهما الفضل الكبير في دعمي وتحفيزي لحفظ كتاب الله تعالى كاملا. ما أبرز التحديات التي واجهتك في أثناء الحفظ؟ وكيف تجاوزتها؟ وهل شاركت في المسابقات القرآنية؟ واجهتني تحديات كثيرة في أثناء رحلتي مع حفظ القرآن الكريم، بخاصة مع دراستي في المجموعة الطبية، وهي دراسة تحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، لكن كان القرآن الكريم جزءا لا يتجزأ من أوقاتي، فلا أستطيع إنهاء يومي من دون قراءة وردي من القرآن الكريم، سواء حفظا، أو مراجعة، أو تلاوة، ففي أصعب الظروف كان القرآن هو الركن الآمن الذي ألجأ إليه، حتى في أوقات الامتحانات لم أترك تلاوته، بل كان سببا في توفيقي الأكاديمي والروحي، وقد شاركت في مسابقات عديدة، محلية، ووطنية، ودولية، وكان آخرها في جمهورية إيران – مشهد الرضا (عليه السلام)، وأحمد الله أنني كنت أحرز المراتب الأولى في أكثر المسابقات، وحصلت على جوائز كثيرة جدا في مجال حفظ القرآن الكريم وتلاوته. ما مدى تأثير القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) في شخصيتك؟ حفظ القرآن الكريم غير من شخصيتي وطريقة تفكيري بشكل كبير، فالكثير من الأمور التي كنت أظنها صحيحة، لم تكن كذلك، فصححها القرآن الكريم لي، مثلما أنه قوى من ارتباطي بأهل البيت (عليهم السلام)، فآيات وسور كثيرة نزلت بشأنهم، وتحدثت عن فضائلهم، وما شدني إلى حفظ القرآن الكريم هو كلماتهم (عليهم السلام) وأدعيتهم، فكنت أشعر أنني أحفظ كلامهم وأتقرب إليهم أكثر، وأكثر. ما المسؤولية التي تشعرين بها بصفتك خادمة أهل البيت (عليهم السلام)؟ أشعر بمسؤولية عظيمة في الاقتداء بأخلاق النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) عند ارتقائي المنبر، فأسعى بقدر المستطاع أن أكون مثالا حسنا في التعامل مع الآخرين وأنا أتحدث عن حياة أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم، فأدعو إلى الاقتداء بهم في كل تفاصيل حياتنا. هل تذكرين موقفا مؤثرا حصل في أثناء أدائك للخطابة أو التلاوة أثر فيك أو في الحضور؟ نعم، هناك مواقف كثيرة بفضل الله تعالى، لكن هناك موقف لن أنساه، إذ تلت صديقتي آيات من سورة الأحزاب المباركة، ثم اعتليت المنبر وبدأت أشرح مقاصد تلك الآيات والتفاتاتها التي تتحدث عن نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، وما ينبغي على المرأة المؤمنة فعله، فتأثر الحاضرات كثيرا، وأثنين على أدائي، ودعون لي بالسداد والتوفيق، فكان لذلك أثر عظيم في نفسي. كيف توفقين بين دراستك الجامعية وبين التزامك بتعليم القرآن الكريم وتلاوته؟ إن التوفيق الإلهي هو السبب الرئيس، فالله تعالى يرزق عباده المخلصين توفيقات لا تخطر على البال، بخاصة إذا كانت نيتهم خالصة لوجهه الكريم ولمولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ثم التزامي بوصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام): "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم"(1)، فتنظيم الوقت أساس في حياتي، أخصص ساعات معينة لأداء مهامي مع يقيني أن حفظ القرآن الكريم لا يعيق الدراسة، بل يعين عليها، ويمنح الحافظ بركة في وقته وعلمه. كيف أثرت دراستك الأكاديمية في أسلوبك في تدريس القرآن الكريم أو الخطابة؟ في الحقيقة، أرى أن القرآن الكريم هو الذي أثر في شخصيتي وفي كل تفاصيل حياتي، وليس العكس، فـ(رقية) قبل حفظ كتاب الله تعالى تختلف تماما عن (رقية) بعده، في منطقها، والتزامها، ووعيها، ونضجها، فالقرآن الكريم منحني القدرة على الخطابة وخدمة أهل البيت (عليهم السلام)، وكان سببا في تميزي بين زميلاتي علميا وأخلاقيا. كيف تصفين تجربتك في تدريس القرآن الكريم؟ وما الأسلوب الذي تتبعينه مع الطالبات؟ تجربتي مع الطالبات تجربة لا يمكن وصفها بالكلمات؛ لأن كل طالبة تتلو وردها، أتأمل وأقول: لعلها تكون شفيعة لي يوم القيامة، فالقرآن الكريم يشفع لأهله، وأما عن أسلوبي في التدريس، فهو أن أشعر الطالبة بعظمة ما تحفظه، وأن الحافظ يجب أن يكون قدوة في كل شيء، وأسعى إلى تخريج حافظات حقيقيات، يطبقن مفاهيم القرآن الكريم ومضامينه على أرض الواقع. ما أبرز التحديات التي تواجهينها وأنت تعلمين القرآن الكريم؟ التحدي الأكبر هو الجمع بين المسؤوليات المختلفة، كالحفظ، والتلاوة، والدراسة الأكاديمية، والدراسة الحوزوية، والخطابة، لكن مع التوكل على الله سبحانه، وتنظيم الوقت، تهون كل هذه التحديات. كيف يمكن تعزيز دور المرأة لتكون في خدمة القرآن الكريم ونشر تعاليمه؟ يتحقق ذلك عن طريق إقامة ورش تطويرية للفتيات المؤثرات، وتوظيفهن في المؤسسات القرآنية، حتى لو كانت الفتاة صاحبة مسؤوليات، فيمكن الاتفاق معها على ساعة معينة أسبوعيا للحضور والمساهمة، فالتأثير لا يحتاج وقتا طويلا بقدر ما يحتاج إلى الإخلاص والوعي. ما طموحاتك المستقبلية في مجال القرآن الكريم والتبليغ الديني؟ أطمح إلى أن أترك أثرا طيبا يذكر بعد رحيلي عن دار الدنيا، أثرا في خدمة القرآن الكريم، وتوجيه الطالبات لحبه والعمل به، مثلما أطمح إلى تأسيس موقع أو مجلة تعنى بشؤون حافظي القرآن الكريم، وأطمح أن تبقى خدمتي لأهل البيت (عليهم السلام) إلى آخر نفسٍ من حياتي، وأن يذكر اسمي بخير، ويدعو لي من أحببتهم في الله تعالى، وأحببت خدمتهم، ساداتي محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين). ما النصيحة التي تقدمينها للطلاب الذين يسعون إلى الجمع بين التحصيل العلمي وخدمة الدين؟ أوصيهم بمجموعة من الوصايا: طوبى لكم فيما تسعون إليه، فأنتم في طريق مبارك، وعليكم بصدق النية، وأن تكون أعمالكم خالصة لله تعالى، لا للمدح أو السمعة، واستلهموا من سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قدم أعظم قربان لله تعالى، واعلموا أن النية أساس كل عمل، وأن من عمل لله تعالى رزقه سبحانه توفيقا وبركة في كل خطواته. ............... (1) نهج البلاغة: ج3، ص76.