رياض الزهراء العدد 93 مناهل ثقافية
الصَّلَاةُ رِيَاضَةٌ رُوحِيَّةٌ ونَفسِيَّةٌ
أثبتت دراسات الطب النفسي أنّ جميع الانفعالات النفسية تقترن بتبدلات في كيمياء المادة الدماغية، وإن تعرّض الإنسان لصدمة نفسية أو حالة من الخوف فالتفاعل البيولوجي لمواجهة تلك المواقف يكون بإفراز هرمون الأدرينالين، ويتناسب إفرازه مع شدة الانفعال أو التوتر أو القلق، ومن ثمّ يؤثر في الأجزاء أو المركبات العضوية كلّها، فتزداد ضربات القلب، والتنفس، ويرتفع الضغط, ويندفع الدم نحو القلب مبتعداً عن الجهاز الهضمي، فتتوقف عملية الهضم، ويرتفع سكر الدم، وأن استمرار التعرّض لحالات الانفعال تعني زيادة مستمرة في هذه الهرمونات، ومن ثم تحولها إلى مشتقات ضارة على المخ، ينتج عنها خلل في التفكير، واضطراب في السلوك، وأنّ المبالغة في حالات الغضب والحزن تعجل في ظهور الداء السكري أو الذبحة الصدرية.. إلخ والصلاة هي الوسيلة الوحيدة الناجعة التي نقاوم بها حالات الخوف، والقلق، ونحافظ على سلامة الجملة العصبية والنفسية؛ لأنّ تفويض أمورنا إلى الله القادر، والالتجاء إليه حين أداء الصلاة بحضور القلب يمكن أن يجلب اطمئنان القلب وسكينة النفس، فالطمأنينة النفسية هي أهم ثمار الصلاة، وتساعد على الوقاية من الاضطرابات النفسية, فإنّ تركيز التفكير حين الصلاة في معاني ما يُتلى من قرآن وذكر يبعد عن همومه، ويقلل من الانفعال وخطر الرضوض النفسية في الحياة اليومية، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) بهديه المعجز قد سبق العلم بهذه النتائج، فكان يهرع إلى الصلاة كلّما همّ أمر، كما في قوله (صلى الله عليه وآله): "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة".(1) إنّ الاطمئنان النفسي المرافق للصلاة يعطي الدماغ فرصة للعمل بشكل أفضل، ويصبح تفكيره أكثر فعالية، وما يتم في الصلاة من بثّ العبد همومه لربه، وطلبه العون والمغفرة يؤدي إلى راحة مؤكدة للعقل والجهاز العصبي المشحونين بالانفعالات، فتتولد عناصر الراحة التي تنتج الاسترخاء الذي تنعكس آثاره على جميع أجهزة البدن، فالصلاة، وما يسبقها من وضوء، وما يتخللها من حركات، وما يحصل فيها من الصفاء الذهني والوعي لما يقوله العبد فيها هي خير أنواع الراحة الإلزامية. الصلاة رياضة فكرية: تُنمّي الصلاة ملكة التركيز عند الإنسان، فالخشوع هو المطلب المهم فيها، ومحاولة الخشوع المستمرة تدريب لتعويد النفس على حصر اهتمامها في شيء واحد، أي لتركيز اهتمامها في جانب واحد، والذاكرة تتحسن دائماً بالتدريب المتواصل، ويصبح التركيز فعّالاً كلّما تمرّن عليه، وإن التركيز في موضوع ما له فوائد جمة في إنجاز العمل المتعلّق به. ................................. (1) ميزان الحكمة: ج1، ص63.