قوافل من نور

فاطمة رحيم المعيوفي/النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 32

إنّ الصحاري قد أزهرت، والوديان بعد الجدب قد جرت أنهارها، والطيور إلى أوكارها قد عادت، وحين وطئت أقدامنا الأرض، اخضرّت، والمدينة المضطهَدة انتصرت، ومنافذ الفرح التي كانت مؤصدة، فُتحت على أيدينا، وألوان المدينة الباهتة غدت زاهية، كان الموت مألوفًا في شوارعنا، فالأرواح تُزهق بلا ذنب، وعوائل تُفجع كلّ يوم بأحبّائها، فعادت إليها الحياة من جديد.. أمّا الشهداء، فيسيرون في قوافل من نور إلى حيث المأوى الأخير، حاملين معهم وسام الشهادة، اصطفّت توابيتهم المغطّاة بعلم العراق لتوديع الأحبّة، مثلما اصطفّوا من قبلُ أمام مكاتب التجنيد لحماية الوطن حينما أُوقدت نار الحرب، فكانوا دروعًا يحتمي بها كلّ مواطن. فمنهم مَن أوصى: أبلغوا أمّي أنّنا قد هزمنا العدوّ، وسرّ انتصارنا هو النداء الذي نرفعه في كلّ صولة وجولة: (يا قمر بني هاشم) مستذكرين بطولاته، وإيثاره، وتضحياته.. أبلغوا أمّي أنّ النصر كان حليفنا في كلّ معركة خضناها، وأنّ نهجنا هو ذاك النهج الصريح الذي خطّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّ الشهادة واللحوق بركب الحسين (عليه السلام) كانت مبتغانا، وفزنا بها.. أخبروا أمّهات الشهداء أنّ أبناءهم تركوا لهنَّ صرحًا شامخًا متألّقًا من الفخر والعزّ، تترنّم به الأجيال جيلًا بعد جيل، فما فعله هؤلاء الغيارى من أجل الدين والوطن، لا يليق به البكاء والنحيب، ولا يناسبه الحسرة والعزاء، أخبروهنَّ أنّ العادة قد جرت إذا ماتت الأمّ، فسيقوم ابنها بتشييعها ودفنها، ثم يؤدّي الأعمال الصالحة عنها، إلّا أنّ أمر الله تعالى اقتضى أنْ يحصل العكس، أنْ يموت الابن أولًا.. أبلغوا أمّهاتنا العزيزات، اللاتي رفعنَ بأعمدة صبرهنَّ معنوياتنا ونحن على خطّ الموت طوال أيام الحرب الشرسة، أنّ دعواتهنَّ كانت بلسمًا لجراحنا ونحن على قيد الحياة، ونورًا في ظلمات اللحد، فالسلام عليهنَّ، وعلى قلوبهنَّ الصابرة.