عاشوراء في وجدان النساء: المجالس تحتضن المعنى والمكتب يرعى الرؤية

خاصّ مجلّة رياض الزهراء(عليها السلام)
عدد المشاهدات : 11

بإشراف مكتب المتولّي الشرعي للشؤون النسوية في العتبة العبّاسية المقدّسة، انطلقت سلسلة من المجالس العزائية والبرامج التوعوية النسوية في محافظتيْ كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف طوال الأيام الأولى من شهر محرّم الحرام للعام (1447هـ)، وذلك في ضمن خطّة مركزية أشرف عليها المكتب ونفّذتها الشُعب النسوية التابعة له، وهي شعبة الخطابة الحسينية النسوية، وشعبة التوجيه الديني النسوي، ومعهد القرآن الكريم النسوي، بدعم جميع الشُعب النسوية في العتبة المقدّسة وإسنادها. تجلّت خصوصية هذه المجالس في كونها مشروعًا توعويًا منظّمًا، يحمل على عاتقه مَهمّة إعادة قراءة النهضة الحسينية في سياق تربوي اجتماعي، ينسجم مع حاجات الواقع النسوي المعاصر، ولهذا جاءت الخطّة التنفيذية موزّعة بدقّة على عدد من المحاور الزمانية والمكانية، فشملت المجالس المقامة داخل العتبة المقدّسة، كسرداب الإمام الكاظم (عليه السلام) ومواقع تابعة للعتبة أهمّها مركز الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، إلى جانب المجالس الخارجية المقامة في ضمن مشروع (الموعظة الحسنة)، والتي انعقدت في أكثر من (15) موقعًا من الأحياء والمراكز الحسينية في كربلاء المقدّسة ومحيطها، من (طويريج والجرية) إلى (حيّ الغدير والانتفاضة الثالثة) وغيرها. استندت فقرات هذه المجالس إلى بنية موحدة أُعدّت بدقّة، تبدأ بتلاوة مباركة من القرآن الكريم، تعقبها قراءة زيارة عاشوراء، ثم تُتوّج بمحاضرات معرفية تلقيها خطيبات متخصّصات في الفكر الإسلامي وشؤون الأسرة، تعالج قضايا ترتبط مباشرة بواقع المرأة، إذ بُحثت مواضيع من قبيل (المودّة الصادقة لأهل البيت-عليهم السلام-)، و(المرأة بين البلاغ والعزاء)، و(الحزن كأداة تزكية)، بعمق فكري يخرج من دائرة الوعظ إلى بناء الوعي. وقد واكب هذا البناء المعرفي حضور وجداني عالٍ، تُرجم في مراثٍ حسينية خاشعة ألقتها الخطيبات أو أنشدتها الجموع، وامتزج فيها الألم بالإدراك، والدمع بتجديد العهد مع الإمام الحسين (عليه السلام). ولأنّ النهج التربوي جزء لا يتجزّأ من مسؤولية المكتب، خُصّص محور متكامل للأطفال والناشئة في ضمن البرنامج عَبر سلسلة من الفعّاليات التي نظّمها معهد القرآن الكريم النسوي وشعبة الخطابة الحسينية، تضمّنت هذه الفعّاليات حلقات توعوية بعنوان (من أطفال الطفّ إلى أطفالنا)، غُرست فيها القيم الحسينية عن طريق الرسم، والمسابقات الهادفة، والحكايات المستلهمة من السيرة الشريفة، في محاولة لصياغة الوعي الحسيني منذ المراحل المبكّرة للنشأة. مثلما وُظّفت العروض المسرحية بشكل منهجيّ هادف، فجاء عرض (نافذ البصيرة) ليُجسّد مواقف أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، ليس بوصفه بطلًا خالدًا فحسب، بل بوصفه الأنموذج المتكامل للرجولة، والوفاء، والبصيرة، وقد قُدّم هذا العرض أمام جمهور واسع من النساء والفتيات، في مشهد تفاعليّ أسهم في ترسيخ الرسائل القيمية التي أرادت إدارة البرامج إيصالها. كلّ ذلك جرى وَفق إدارة ميدانية مباشرة من مكتب المتولّي الشرعي للشؤون النسوية، الذي أشرف على كلّ الاحتياجات التي تضمن وصول الرسالة الحسينية إلى جميع المواقع، ومتابعة الأثر المجتمعي لها، وكلّ ذلك يعكس وعيًا بمفهوم العزاء بصفتها أداة بناء، ووسيلة إحياء واعٍ. إنّ البرنامج الحسيني النسوي لهذا العام يُعدّ أنموذجًا متكاملًا في توظيف الشعائر في مجال التربية والإصلاح، برؤية مؤسّساتية تُديرها العتبة العبّاسية المقدّسة وبمرجعية دينية وفكرية، واستيعاب لخصوصية المرأة في حمل رسالة كربلاء، وقد برهنت هذه المجالس أنّ الخطاب النسوي إذا ما نُظّم، وأشرفت عليه جهة واعية، فيمكنه أن يُعيد بثّ جوهر كربلاء في كلّ بيت، وفي كلّ مدرسة، وفي كلّ ضمير.