رياض الزهراء الأخبار
نرجس...وشاحٌ أخضر وقلبٌ يُحادث الحزن بين العباس والحسين (عليهما السلام)
مساء الثالث عشر من المحرّم، حيثُ تسير الأرواح قبل الأقدام، وتتكاثف الذكرى في سماءٍ تفيض بأسى الطفّ، انطلقت مسيرة نسوية عزائية من مرقد المولى أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) إلى مرقد أخيه سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، نظّمها مكتب المتولّي الشرعي للشؤون النسوية في العتبة العبّاسية المقدّسة، إحياءً لذكرى دفن الأجساد الطاهرة. في قلب المسيرة، وبين صفوف النساء اللواتي كساهم السواد وارتسمت كربلاء على وجوههنَّ، سارت طفلة صغيرة تُدعى نرجس، تضع على كتفها وشاحًا أخضر، وتُمسك بمسبحة سوداء كأنّها تتّكئ على ذكرى لم تعشها، لكنّها تسكن وجدانها. كانت نرجس تخاطب روحها بصمتٍ شفّاف، لا يسمعه أحد، لكنّها كانت تُحاور ذاتها كما يُحاور العارف قلبه في ساعة الخشوع: "يا روحي، ما بال هؤلاء النسوة يسرنَ دامعات؟ أهنَّ يمشينَ فوق الثرى، أم فوق صدور الحكاية؟" ثم تُجيب نفسها بلسانٍ الإيمان: "إنّهنَّ يواسينَ زينب الكبرى، ويمشينَ في أثر صبرها؛ لأنّها وحدها مَن دفنت القلوب مع الأجساد، ووارت بالدمع رُفات الإخوة والأبناء". تتأمّل الطفلة نرجس ملامح النساء، وأخريات يمشينَ بأقدامٍ حافية كأنّهنَّ يُكفّرنَ عن خذلانٍ تأخّر، أو عهدٍ تجدّد. وتعود نرجس تخاطب نفسها: "روحي، لو كنتُ في الطفّ، لجمعتُ الزهر من الرمال، ونسجتُ منه كفنًا لرضيع الحسين.. لكنّي اليوم أمشي في الطريق، عساني أبلغ المعنى". وفي نهاية المسيرة، حين لاحت قبّة الإمام الحسين (عليه السلام) تُطلُّ على الجموع كقلبٍ مفتوح للوفاء، رفعت نرجس يدها الصغيرة إلى السماء، وخاطبت روحها للمرّة الأخيرة: "أشهدُ أنّ الحسين ما مات، وأنّ زينب ما غابت، وأنّ النساء اللواتي مشينَ اليوم، كتبنَ على الأرض سطرًا جديدًا في ملحمة النور. يا روحي، ابقَيْ على العهد، فالخطى إلى كربلاء لا تنتهي". وهكذا انقضى المساء، وبقيت كربلاء شاهدةً على حكاية نرجس..تلك الطفلة التي فهمت الحسين (عليه السلام) بدمعتها، وسارت في طريق زينب (عليها السلام) بصمتٍ يساوي خطبةً من نور.