رياض الزهراء العدد 93 منكم وإليكم
الحِجَابُ ضَرُورَة
إنّ الأحكام الشرعية بمجموعها ترمي إلى السير بالإنسان نحو الكمال، فهو خليفة الله تعالى في أرضه، ويجب أن يكون أرقى المخلوقات، ومنزّهاً عن كلّ دنس وخبث، ومن هذه التشريعات السامية الحجاب. إنّ للحجاب آثاراً عميقة لا يُدركها بعضهم، ومصالح مترتبة ليس للمرأة فحسب، بل للمجتمع بأكمله، فعندما تتحجب المرأة يرتفع قدرها، وتصبح محترمة ومُهابة؛ لأنها تريد حماية نفسها من الأعين الخائنة، وصيانة حيائها وعفتها؛ لتصل بذلك إلى طهارة الروح حتى تتغلّب على الوساوس الشيطانية ونزعات النفس الأمارة بالسوء، وهي بذلك تجنّب المجتمع من أضرار التهتك. فإذا تخيّلنا نساءنا ملتزمات بالضوابط الشرعية للحجاب في كلّ مكان، في البيت، والشارع، والعمل، كم سيؤثر هذا في انحسار الرذيلة والانحلال الأخلاقي، ويقضي على كثير من الأمراض النفسية والجسدية التي ينشرها التبرج والسفور. إنّ الله (سبحانه وتعالى) شرّع للإنسان نظام حياته، ووضع له الحدود التي يجب عليه أن لا يتعداها؛ لأنه تعالى أعرف به وبما يصلحه وينفعه. إذن لا يمكن لأحد أن يحارب أحكام الشريعة بحجة التطور والتمدّن؛ لأنّ التطور لا يعني أن يتخلى الإنسان عن إنسانيته، ويكون كالبهيمة همّها إشباع غرائزها، وإننا إذ نجد نساءً متهتكات متبرجات لا يراعينَ شروط الستر، فالسبب يعود إلى عدم الإيمان العميق بفلسفة الحجاب وأثره البالغ في المجتمع. وترى هناك مَن تبرر التبرج، وعدم غضّ البصر، والحديث والمزاح مع الأجانب، فإنّ ذلك يعود إلى انهزاميتها وضعف شخصيتها، فالمرأة التي تمتلك شخصية قوية وثقة عالية هي القادرة على الوقوف بوجه هذه الهجمات العنيفة ضد الحجاب؛ لأنها تعي مدى خطورة التخلي عن حشمتها وعفّتها، ولا يُغريها زخم الإعلام المضاد واستنكار المجتمع؛ لأنه وللأسف حتى المجتمعات الإسلامية باتت اليوم تسخر من المرأة المحتشمة الملتزمة بالحجاب الشرعي؛ لأنّ الإنسان المنحرف لا يكفيه أنه منحرف، بل يحاول أن يجرّ الآخرين إلى ما هو فيه من الانحراف والضلال، فهو يُدرك بفطرته أنه على خطأ. وأخيراً ندعو كلّ امرأة تبغي السعادة والرقي أن تلتزم بالحجاب، وأن تقرأ آيات القرآن الكريم التي تحثّ على الحجاب وتبيّن ضوابطه بتدبر وتأمل؛ لتستيقن أنّ الانقياد لأحكام الدين الحنيف هو السبيل لخير الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا)/ (الأحزاب:59). ولنطّلع على سيرة النساء المسلمات القدوات في العفة والحجاب اللاتي كان لهنّ الأثر الكبير والبارز في الحفاظ على الدين، ونقرأ بطولاتهنّ وتضحياتهنّ ومواقفهنّ، فهذه السيّدة خديجة (عليها السلام) أنفقت أموالها لتنصر دين الله (عزّ وجل)، وهذه ابنتها السيّدة الزهراء (عليها السلام) صاحبة الكلمات المدوية التي ما يزال صداها إلى الآن يُقرع المتخاذلين، وهذه السيّدة زينب (عليها السلام) ابنة الإمام علي (عليه السلام) التي جاهدت وصبرت من أجل حفظ ثورة أخيها سيّد شباب أهل الجنة الحسين (عليه السلام)، ولا ننسى التابعات لهنّ من المسلمات المجاهدات اللاتي تركنَ أثراً مشرفاً في تاريخ الإسلام؛ لذلك سيبقى الحجاب يُشكل ضرورة لا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان.