رياض الزهراء العدد 93 منكم وإليكم
احْذَرْ عَدُوَّكَ يا بُنَيّ!
لاحظت الأم أنّ تغيراً قد طرأ على سلوك ابنها ذي الستة عشر ربيعاً وأخلاقه، وبدأ مستواه الدراسي يتدنى شيئاً فشيئاً، فحاولت أن تتفهم الأمر بالحديث مع ابنها عن سبب ذلك، ولكن الابن تهرّب من الحديث مع أمه مراراً وتكراراً، وبرّر ذلك بحجج واهية، صبرت الأم في البداية على ذلك ولم تُطلع أباه على الأمر؛ لأن الأب كان يواصل العمل طول النهار إلى منتصف الليل غالباً، فلم تشأ إضافة همٍّ آخر إلى همومه.. ولكن بعد أن نفد صبرها مع الولد قرّرت إخبار الأب الذي قابل كلامها بضحكة باردة، وقال: هكذا هم الشباب دوماً، التمرّد سمتهم، فلا تشغلي نفسك كثيراً، سوف يتدارك أخطاءه البسيطة بنفسه، لم تقتنع الأم بكلام الزوج، فقالت: ماذا لو تمادى في أخطائه ولم يجد منّا توجيهاً؟! فصرخ في وجهها رافضاً إطالة الحديث متذرعاً بانشغالاته الكثيرة، فالتزمت الصمت على مضض!! ومرت بضعة أشهر على الموقف.. وذات صباحٍ كانت الأم كعادتها تنظّف غرفة ابنها بعد ذهابه إلى المدرسة، وفي هذه الأثناء سقط أحد كتبه سهواً وتناثرت من بين أوراقه صور بائسة مُشينة، فكادت أن يُغمى عليها من هول الدهشة، وهُرعت مسرعة إلى زوجها، وما إن رأى الوالد تلك الصور حتى فغر فاه مستغرباً.. وتساءل بحدّة: ما هذه الصور القذرة؟ وأين وجدْتِها؟! كانت مختنقة وبشق الأنفس استطاعت أن تشير إلى غرفة الابن.. فثارت ثائرة الأب وأسرع وزوجته بالدخول إلى غرفة الولد، وقلبا عالي الغرفة سافلها، وفتّشا كلّ مكان فيها، ويا لبؤس لـِما وجدوا! صوراً أكثر، وأقراصاً تحوي أفلاماً فاضحة، أمّا الحاسوب فقد احتوى على مختلف الكوارث الأخلاقية! كانت الصدمة مهولةً لهما، لم تقوَ الأم على حبس الدموع التي جرت غزيرة مدرارةً تحرق وجنتيها، وخيّم الوجوم على وجه الأب الذي أدرك مدى تقصيره في الابتعاد عن تربية ابنه وتوجيههِ، والتفت إلى زوجته وقال بصوت خَجِل: أنا المُلامُ لا أنتِ، وسأصلح الأمر بعون الله تعالى.. عندما حلَّ مساء ذلك اليوم، انتظر الوالدان إكمال الابن فروضه الدراسية، وانفردا به بحديث طويل، قال الأب فيه: ولدي العزيز لم أكن أقصد أو أمُّك أن نتجسس عليك، ولكن كانت مشيئة الله أن يقع أمام أنظارنا ما خبّأت بين كتبك وأغراضك، فآلمني وأحزنني كثيراً؛ لأني قصّرت في توجيهك بسبب عملي، وقد أغواك الشيطان فتهربتَ من الحديث مع أمك، ولن أسألك من أين جئت بهذا كلّه، ومَن دلّك من أصدقاء السوء عليه، ولكني أسألك سؤالاً واحداً: لو أنَّ عدواً هجم على بيتنا يريد أن يسرقه أو يهدمه فماذا سنصنع؟! قال الابن - وهو مطأطئ رأسه -: طبعاً سنتصدّى له يا أبي بكلّ ما أوتينا من قوة، قال الأب: وهذا ما يريده أعداؤنا، فهم يوفرون كلّ الوسائل القذرة بأبخس الأثمان، بل وبالمجان أيضاً من أجل أن يهدموا صرح الإسلام ويحاربوا الفضيلة والأخلاق التي ينادي بها، ويزوّقون ذلك بطرق خبيثة وماكرة تخدع الشباب أمثالك، فاحذر عدوّك يا بني!، وأنا أعرف أنك ولد طيب تحبّ والديك، وتكره ما يسيء لهما كما أنك تحبّ طاعة الله (عزّ وجل)، ودليل ذلك أنك لم تقصّر بصلاتك أو صيامك؛ ولهذا ستبتعد عن هذه المنكرات، أليس كذلك؟! كان الولد على وشك أن يبكي لسماع حديث أبيه، رفع رأسه فرأى والديه يبتسمان، فكانت دموع اعتذاره ساخنة وهو يقبِّل يديهما ورأسيهما، وهكذا تكون الكلمة الطيبة من أحسن أساليب التربية والتوجيه.