الشُّرُودُ الذِّهنِيّ

د. عامر الحيدري/ أخصائي أمراض نفسية
عدد المشاهدات : 174

الشرود الذهني مشكلة يشكو منها الكثير من الناس، وهذه المشكلة تتفاقم كلّما تقدّم العمر، وكثرت مشكلات الحياة، وهي مشكلة تعطّل أفضل قوى الإنسان التي يتميز بها على سائر المخلوقات، وهي العقل والفكر، وعند السعي إلى معالجة هذه المشكلة لابدّ من البحث عن أسبابها: أولاً/ بعض أسباب الشرود الذهني: 1. وجود مشكلة ملحة خارج العمل، وقد تكون هذه المشكلة: عائلية، مالية، اجتماعية، عاطفية.. إلخ. 2. توقع حدوث أمر مخيف والانشغال به. 3. المعاناة من مشكلة صحية. 4. وقوع أمر يؤدي إلى الفرح الشديد. 5. التعوّد على العيش أسير الخيالات والأوهام غير الواقعية والتعلق بها. 6. أن يكون في محيط العمل وبيئته ما يشغل الفكر، ويؤدي إلى عدم الارتياح، ومن أمثله ذلك: الترتيب غير المناسب والمزعج لمكان العمل، أو ضيق المكان، أو شدة الحر أو البرد في مكان العمل، أو شدة الضوضاء فيما حول مكان العمل، أو وجود روائح كريهة في مكان العمل، أو الشعور بالجوع أو الظمأ الشديدين، أو عدم الارتياح لبعض زملاء العمل، أو كثرة الزوّار لك أو لزملائك في العمل. ثانياً/ علاج مشكلة الشرود الذهني في أثناء ممارسة عمل من الأعمال: إنّ بناء القدرة على التركيز الذهني والعقلي يحتاج إلى تمرين هادئ وطويل، لكنه صارم ودقيق، كما يفعل الإنسان عند بناء عضلاته وتقويتها بحيث يستطيع بعد ذلك تركيز قواه الذهنية وحصر تفكيره العقلي في أي وقت أراد، وفي أي موضوع أيضاً. إنّ التركيز الذهني هو تعريض الذهن زمناً كافياً لمؤثر أو جملة مؤثرات كي تنطبع عليه انطباعاً واضحاً، على أن يغلق الإنسان ذهنه تجاه كافة المؤثرات الأخرى، والمؤثرات هي المعلومات التي يتم استيعابها عن طريق إحدى الحواس الخمس: البصر، السمع، الذوق، الحس، الشم. ثم يتم معالجتها في ضوء ما سبقها في الذهن من معلومات وخبرات وتجارب، وما يؤمن به الإنسان من مبادئ وقيم. اعلم أنّ اكتساب صفة التركيز الذهني تعود على الإنسان بأعظم الفوائد في حياته، يقول أحد علماء النفس المشهورين: ليست العبقرية أكثر من تركيز الذهن، وقال آخر: إنّ حصر الاهتمام هو أول مقومات العبقرية. ثالثاً/ بعض الأفكار والخطوات التي تُساعد على استبعاد الشرود الذهني، ومن ثمّ بناء القدرة الذاتية عل التركيز، وهي: 1. حاول استبعاد كلّ ما يشتّت فكرك، ويشغل ذهنك من الواقع المحيط بك. 2. عوِّد نفسك على أن تعيش لحظتك. 3. إذا كنتَ تشعر بالإجهاد فتوقف عن العمل بعض الوقت، وخذ لحظات من الاسترخاء في مكان جيد التهوية. 4. إذا كنتَ تشعر بالخمول فجدّد التهوية في موقعك، وتحرّك قليلاً من مكانك، ومارس بعض التمارين الرياضية الخفيفة لبضع دقائق. 5. أعطِ نفسك قدراً كافياً من الراحة قبل بدء التفكير وممارسة العمل. 6. لا تبدأ التفكير في المسائل المهمة بعد تناول الطعام مباشرة، ولا في أثناء الجوع الشديد. 7. مارس تمرين تقوية التركيز الذهني، والذي يُمكن تلخيص خطواته بما يأتي: أ‌- قم بعملية حصر للقضايا التي تحتاج منك إلى تفكير، ورتبها بحسب أهميتها أو استعجالها، واحتفظ بذلك مكتوباً في ورقة لديك. ب‌- عندما تصبح معتدل المزاج في مكان مريح بعيداً عن الضوضاء والإزعاج، استخرج ورقتك، وتناول أول قضية فيها بالتفكير. ت‌- استعرض القضية الأولى من جميع جوانبها، وركّز قواك الذهنية فيها، وكأنك غائب عن كلّ ما عداها في الوجود لبضع دقائق، وحاول الإجابة عن الأسئلة الآتية حول القضية موضوع التفكير: (لماذا، متى، أين، كيف، من، لماذا هذا العمل الذي أريد القيام به؟ ومتى الوقت المناسب له؟ وأين سيكون؟ وكيف ينفذ؟ من يقوم بالعمل؟ مع مَن؟). ث‌- حدّد ما توصلت إليه في نقاط مختصرة، وسجّل ذلك على الورق. ج‌- انظر في ما كتبت، ثم أغمض عينيك وحاول استذكاره. ح‌- أعد عملية النظر والاستذكار عدة مرات في أوقات مختلفة، وأضف ما قد تتوصل إليه من جديد إلى ما سبق وإن خلصت إليه. خ‌- استخرج ما كُتب بعد كلّ مدّة زمنية وانظر فيه، وحاول إلقاءه على غيرك، واطلب منهم تزويدك بملحوظاتهم إن كانوا قادرين على ذلك. د‌- انتقل إلى قضية أخرى، وتعامل معها كما تعاملت مع غيرها. أخيراً لا تنسَ أن تحوّل أفكارك إلى عمل.