رياض الزهراء العدد 221 هندسة الحياة
انتصاراتٌ كامنةٌ
كلمة واحدة تحمل في ثناياها كما هائلا من المشاعر، والإطراء، والتصفيق، ووجوه تعلوها الابتسامات الجميلة، تلك هي كلمة (الانتصار) التي تكون بعد صراع لحقبة من الزمان، يرافقه ألوان الجهد والألم، وربما نظرات اللوم أو العتب، ومن بعد نيل الانتصار الساحق، تعلو حينها أهازيج الفرح، وصدى التصفيق يأتي من كل حدب وصوب لتعلن للملأ أن حدثا كبيرا قد تم. ولكن هناك انتصارات تمر مرور الكرام من دون أنْ تحدث ضجيجا حولها، ومن دون أنْ يعلم بها أحد سوى ذلك الشخص القابع هناك بكل هدوء، وقد خرج توا من بين براثن حرب ضروس، خاضها بمفرده، وبأسلحته الخاصة، فكانت انتصاراته كامنة مخفية عن أعين الناس. نعم، إنه المنتصر الحقيقي في معركةٍ بلا رايات، ولا تصفيق ولا أهازيج، فقد انتصر في معركة هي الأقوى من بين كل المعارك الدنيوية على مر الزمان، فهي كالنار المتأججة تحت الرماد الكثيف، والانتصار فيها يؤسس لحياة جديدة، ويصنع إنسانا قويا، لا يميل مع رياح المتغيرات السلبية التي تطيح بفارغي الداخل، المتلهفين لسماع كلمات الإطراء والمديح الزائف. إن معركة الإنسان مع أهوائه ورغباته هي أشرس المعارك، إذ يصل بعدها إلى السكون الداخلي، بعد اجتيازه تحديا عظيما لا يشعر به من حوله، فهي معركة وعي، وقرار سليم في الوقت المناسب، وليس المقصود حجم القرار، بل أنْ يقرر المرء أمرا ما وينفذه فعلا بلا تسويف أو تأجيل، ربما يترك نوعا من الطعام يرغب في تناوله، لكنه غير صحي، فيقرر الابتعاد عنه، وينفذ ما قرر، وربما جرأ على قول (لا) في الوقت المناسب قبل تراكم الأمور، فيصعب عندها الانسحاب، وقد قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهْدينهمْ سبلنا وإن الله لمع الْمحْسنين)(العنكبوت:69)، فالقوة الحقيقية في مقاومة الضعف أمام مغريات الحياة اليومية، تحديدا وسط هذا الكم الهائل من الانفتاح غير المشروط على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تحوي كل غث وسمين بلا فرز أو تمحيص. الانتصارات الكامنة رحلة شخصية مستمرة، فهي النهوض بعد السقوط، أنْ تمدي يدك لنفسك، فالتغيير يبدأ من الداخل عبر النور الإلهي الذي تشعله الفطرة السليمة لعمل الخير، ونبذ كل أنواع الشرور، توقد الانتصارات الكامنة المثابرة الجادة والاستمرارية، وعدم التوقف عن شكر الله سبحانه وتعالى على كل نعمة ظاهرة للعيان أم مخفية، عندها تشعرين بالسعادة الغامرة النابعة من قوة الإيمان بالله تعالى، فثمار الإنجازات الصامتة تؤتي أكلها كل حين بإذن الله تعالى.