الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) مظهر القيادة الربانية
الإمامة منصب رباني وحركة إلهية متصلة، لا تنفصل فصولها بتغير الزمان والمكان، أو بتبدل الظروف، فكل إمام مأمور من قبل الله تعالى بأداء دوره بحسب مشيئته تعالى، ويشترك جميع الأئمة (عليهم السلام) في الغاية نفسها، وتتجلى شخصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) امتدادا لأمير المؤمنين (عليه السلام) وللنبي (صلى الله عليه وآله). أدرك الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أن المواجهة المسلحة مع معاوية ستقود إلى انقراض الخط العلوي الرسالي، فاختار الصلح المشروط مع معاوية حفاظا على جوهر الإسلام وحقنا لدماء المؤمنين، وبين (عليه السلام) وجه الحكمة من مصالحته، فقال (عليه السلام) لأبي سعيد عقيصا: "يا أبا سعيد، علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله -صلى الله عليه وآله- لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد، إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أنْ يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإنْ كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا، ألا ترى الخضر -عليه السلام- لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار سخط موسى -عليه السلام- فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل"(1). فالصلح المبرم بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان -لعنه الله- مقتضاه إطفاء الفتنة، وحقن دماء المؤمنين، فالصلح لا يمثل إعطاء الشرعية لمعاوية بن أبي سفيان، و(الصلْح) لغة: السلم، أما اصطلاحا، فهو معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين(2). وأهم ما جاء في بنود الصلح هو أنْ يكون الأمر للإمام الحسن (عليه السلام) من بعد معاوية، فإنْ حدث به حدث فلأخيه الحسين (عليه السلام) وليس لمعاوية أنْ يعهد إلى أحد(3). لم يقر لمعاوية قرار ولا هدأ له بال، فراح يضاعف من جهده من أجل نقض المعاهدة، بخاصة إرجاع الحكم إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فانتهى الأمر إلى قتله الإمام الحسن (عليه السلام) بالسم شهيدا صابرا محتسبا. .................................................... (1) بحار الأنوار: ج44، ص2. (2) بحار الأنوار: ج44، ص9 (3) المصدر نفسه: ج44، ص65. (4) لسان العرب: ج2، ص516.