كربلاء مرتان: كربلاء الدم وكربلاء الوعْي
لم تكن واقعة كربلاء معركة بين خصمين انتصر أحدهما، وخسر الآخر وسبيت نساؤه وأطفاله، وذكرت في الكتب وتناقلتها الأفواه وانتهى الأمر، ولا يعرفها إلا الباحثون في ميدان التاريخ، بل اسم كربلاء وتحديدا يوم عاشوراء يعني القيام والانتصار، وإلى الآن واقعة عاشوراء هي البرزخ بين الحق والباطل، ولا يوجد في الأمر حياد أو وقوف في المنتصف، والذي يقرأ زيارة أمين الله، فسيجد هذه العبارة: "اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك... مفارقة لأخلاق أعدائك"(1)، فهذه العبارة تضع الميزان بين يدي المؤمن، فيستطيع أنْ يقيم نفسه. بدأت الملحمة في يوم عاشوراء، إذ التقى حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، وحدثت معركة انتصار الدم على السيف، وأرسيت مبادئ الدين، وعلاقة العبد بربه التي تجسدت بإقامة الصلاة وسط المعركة، وقبالهم النبال تنهال عليهم من كل حدب وصوب، وأرسيت دعائم العلاقات الأسرية، كعلاقة الأب والأم والأولاد، وعلاقة الأخ بأخيه وأخته، خروجا إلى دائرة الأصحاب، وختاما بعلاقة كل فرد مع إمام زمانه. انتهت المعركة، وانتهى صليل السيوف، وأريقت الدماء الطاهرة، وبدأت ملامح مسيرة أخرى، مسيرة الثبات على الحق التي تجسدت بعدة مواقف من آل البيت (عليهم السلام)، فطوال مسيرة السبي بينوا حقيقة السلطة الحاكمة ومظلومية أهل بيت النبوة، وكانت هناك كلمة الحق أمام السلطان الجائر التي قصمت ظهره، وصداها إلى الآن يتردد، فرسمت مصيره ومصير من يتبعه إلى يوم القيامة، وبعد انتشار فضيحة الظالم باستشهاد السيدة رقية (عليها السلام)، وانقلاب الرأي العام ضده، هرع لإخراج آل البيت (عليهم السلام) من الشام ليذهبوا إلى حيث يشاؤون، فاختارت العقيلة زينب (عليها السلام) أنْ تذهب إلى كربلاء، إلى الأرض التي طابت بسيد الشهداء وبالأرواح التي حلت بفنائه؛ كي تزور مصارع أخوتها، ولتؤسس منهجا حيا مدى الدهر، فتقام زيارة الأربعين بالعبرة والعبرة حتى قيام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه).