رياض الزهراء العدد 221 تاج الأصحاء
(الفيبروميالجيا): بين ألم الجسد وغموض التشخيص
مرض مزمن يسبب آلاما في أنحاء الجسم، يرافقها شعور دائم بالإرهاق، واضطرابات في النوم، والمزاج، والتركيز، وتكمن صعوبة هذا المرض في أن أعراضه لا ترى بالعين المجردة، مما يجعل معاناة المصابين به مضاعفة، سواء في التعبير عن مشاعرهم أو الحصول على تشخيص دقيق. يشعر المرضى عادة بآلام متفرقة في الرقبة، والكتفين، وأسفل الظهر، أو القدمين، ويصفون أجسادهم كأنها في حالة إنهاك دائم، ويضاف إلى ذلك اضطرابات هضمية شبيهة بالقولون العصبي، أو تيبس عضلي يشبه التهاب المفاصل، مما يزيد من الغموض في التشخيص. تشير الإحصائيات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض بنسبة تصل إلى (90%)، ويرجع العلماء ذلك إلى التغيرات الهرمونية والضغوط النفسية والاجتماعية، فالتوتر المزمن، وتراكم المسؤوليات اليومية، كلها عوامل تسهم في تحفيز ظهور هذا المرض لدى النساء. علميا، يعتقد أن (الفيبروميالجيا) ناجمة عن خلل في معالجة الدماغ لإشارات الألم، مما يجعل المريض يشعر بألم مبالغ فيه، وقد يرتبط هذا الخلل بنقص في بعض النواقل العصبية، كـ(السيروتونين)، وهناك نظريات أخرى تفترض وجود عوامل مناعية أو بسبب التهابات روماتيزمية، لكنها لم تثبت بشكل قاطع بعد. تشخيص (الفيبروميالجيا) يعد تحديا كبيرا، إذ لا تظهر أعراضه في التحاليل أو الأشعة، وغالبا ما يخضع المريض لفحوصات متعددة بنتائج طبيعية، مما يسبب له حيرة وإحباطا؛ لذلك يعتمد التشخيص على استبعاد الأمراض الأخرى، وملاحظة وجود نقاط ألم منتشرة في الجسم، وقد يتنقل المصاب بين الأطباء لمدة طويلة قبل الوصول إلى تشخيص صحيح. العلاج لا يقتصر على الأدوية، بل يتطلب خطة شاملة، تشمل الجانب النفسي والجسدي، إذ يوصى المرضى بممارسة تمارين رياضية خفيفة، كالمشي أو السباحة، والحفاظ على نوم منتظم، وتخفيف التوتر النفسي، وكذلك يساعد العلاج السلوكي المعرفي في فهم الألم والتعامل معه بواقعية، بدلا من مقاومته المستمرة. ومن الناحية الدوائية، قد يصف الطبيب مسكنات للألم أو مضادات الاكتئاب لتقليل نشاط الإشارات العصبية المرتبطة بالألم. إن للدعم العائلي والمجتمعي أثرا بالغا في تحسين الحالة النفسية للمريض، ومنحه القوة على مواصلة التكيف مع المرض. (الفيبروميالجيا) على الرغم من كونها مجهولة السبب، لكنها تترك أثرا عميقا في جسد المريض ونفسه؛ لذلك يتطلب التعامل معها وعيا من قبل المريض ومن أسرته والمجتمع، فبالتفهم، والرعاية، وخطة علاج متكاملة، يمكن للمريض أنْ يستعيد توازنه ويعيش حياة أقرب إلى الطبيعية. ويظل الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، إلى جانب المواظبة على الصلاة والدعاء من أهم وسائل الراحة النفسية والجسدية التي تعين الإنسان على الصبر ومواجهة الألم بثبات وأمل.