مخطوطاتٌ نورانيةٌ في المتاحف الأوروبية

مريم حميد الياسري/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 3

تعد المخطوطات في العالم الإسلامي تحفا فنية، توثق الإتقان والجمال، ويعد الخط العربي من معالم الحضارة الإسلامية، والطباعة المبكرة بتقنياتها البدائية لم تكن قادرة على محاكاة الخط العربي إلا بعد تطورها، مما جعل بعضهم يفضلون النسخ اليدوي على الطباعة الآلية، وهذا الأمر أسهم في تأخر تبني الطباعة. لقد أولى المسلمون عناية خاصة بكتابة المصحف الشريف وزخرفته، وبتقديس ودقة عالية، سواء بكتابة المصحف كاملا أو كتابة أجزاء منه، وقطعت بعض النسخ من المصاحف الشريفة رحلة جغرافية إلى متاحف (أوروبا)، فبعضها وصل إليها عبر تجارة المخطوطات، وبعضها عبر المسلمين الموجودين في (أوروبا) بشكل دائم أو مؤقت، ومنهم التجار، ومن هذه المصاحف الشريفة، نسخة ثمينة محفوظة في المكتبة الملكية الدانماركية في (كوبنهاغن)، قسم (الجوهرة السوداء) في مجموعة المخطوطات العربية، تعد دليلا على التبادل الثقافي بين العالم الإسلامي والغربي عبر تجارة المخطوطات، وتبرز الجانب الجمالي والديني لكتابة القرآن الكريم حتى في الأزمنة المتأخرة، ويرجح أنْ يرجع تاريخ كتابتها إلى القرن (17) الميلادي أو (18) منه، مكتوبة بالخط الكوفي على الرق، فنلاحظ استمرار ظاهرة الكتابة بالخط الكوفي على الرغم من انتشار خط النسخ في ذلك الوقت. أما المصحف الثاني، فهو أحد مقتنيات المكتبة الوطنية الفرنسية (جاليكا)، وهو مصحف فريد من نوعه، مكتوب باللغة الفارسية بالكامل، فهو ليس ثنائي اللغة كأكثر المصاحف الإيرانية التقليدية التي تشتمل الآيات المباركة مع ترجمتها إلى الفارسية، إما تحت الآيات أو في هامش الصفحة، مما جعله نسخة نادرة ومميزة في عالم المصاحف الإسلامية، ومن الناحية الفنية، يتميز هذا المصحف بفنون التذهيب وخط (النسخ) الجميل، مما يجعله تحفة خطية فنية، وعبر مقدمة المترجم التي تصف الملك في ذلك الزمان، يظهر أن المصحف قد ترجم إلى الفارسية بأمر من (نادر شاه القاجاري)، ويرجح أنْ يكون قد أنجز في مدينة (أصفهان) التي كانت مركزا للفنون والثقافة في إيران آنذاك. وتضم المكتبة ذاتها مصحفا آخر من المخطوطات القرآنية الثمينة المحفوظة في قسم المخطوطات بالمكتبة، ومتاح رقميا عبر منصة المكتبة الوطنية الفرنسية إلكترونيا، يعود إلى الحقبة الزمنية الواقعة بين القرن (19) وأوائل القرن (20) من الميلاد، وهي الحقبة التي شهدت ازدهارا في تدوين المصاحف في أفريقيا، بخاصة مع انتشار التعليم الديني والمدارس القرآنية في غرب أفريقيا، كدولة (مالي، ونيجيريا، والسنغال)، ويتميز هذا المصحف بكونه مكتوبا بخط أفريقي بأسلوب تقليدي يستخدم في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء، وهو أسهل من الخطين (الكوفي، والنسخ)، ويأتي هذا المصحف الكريم في ضمن مجموعة واسعة من المخطوطات العربية التي تحتفظ بها المكتبة، وأتاحت فرصة دراسته وتحليله للباحثين والمهتمين مجانا لغير الأغراض التجارية، مما يعزز من قيمته العلمية والتاريخية؛ ليبقى شاهدا على دور المجتمعات الأفريقية في حفظ القرآن الكريم ونشره عبر الأجيال.