شوق العودة

سارة عبد الله الحلو/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 7

اقتربت رحلة الوداع، ومثلما يسعى الحجيج بين زمزم والصفا، سعى الملبون واعية الحسين (عليه السلام) بين حرمه الشريف وبين حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، لكن هذه المرة من أرض كربلاء. وداعا كربلاء، فقد انقضت الأيام الفاصلة عن أربعين الخلد واحدة تلو الأخرى بحزن شديد. طريق الوالهين قد خف زحامه، وباتت المدينة تفتقد زائريها، قد أطفئت مواقد القدور، والمواكب قد شدت الرحال، فبالأمس كان الزائرون يتراصفون بالملايين، تتوسل أكفهم ملأى بكافة الخدمات، واليوم قد ختمت رواية الأربعين. لملمت آخر أشيائي التي عنت لي الكثير في هذه الرحلة المعدة للخدمة، داخل الغرفة غضضت البصر عن التحديق في تفاصيلها، فلي مع جدرانها ألف حكاية من حكايات الزائرين، سلمت آخر أسراري إلى سيدي الإمام الحسين (عليه السلام) مودعة أرض الكرامة بآلاف القصائد على قافلة الأمنيات، جثوت إلى الأرض مقبلة إياها، وارتفعت أنظاري مع هيبة الضريح المتوهجة بأشعة الشمس المضيئة، مرغت جبيني بالتراب حتى طابت نفسي وانشرح الفؤاد، مسحت أطراف الطرقات بمناديلي المبللة التي تفتت من كثرة الدموع مع صوت الزائرين المغادرين الهاتفين: سيدي! العودة، العودة، فلنا بك لقاء قريب. سلكت طريق العودة لكن هذه المرة لا يشبه طريق القدوم، صور، وقصص، وعبر قد ازدحمت بها الذاكرة من بداية الرحلة حتى نهايتها، لم يبق لي سوى حبات من الأرز المتساقط من أطباق الزائرين، وهذا المنديل المفتت من أثر البكاء. رحلة استثنائية في عمري، وملحمة من الأبجديات والحروف، مزيج من السكن والسكينة الروحية، ارتباط عميق، وشعور بالبركة والروحانية، تجربة روحية عميقة تعلمنا الرغبة في التغيير، والشوق، والعودة، وتشرح لنا أن الإيمان الحقيقي يولد من رحم العقيدة الراسخة. لابد من أنْ نتذكر أن ختام هذه الرحلة ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التأمل، والعمل، وتبليغ قيم النهضة الحسينية، مع الاشتياق الدائم لتكرار هذه التجربة الروحية العظيمة.