رياض الزهراء العدد 221 ملف الأربعين
طقوس الحزْن النبيل
لشهريْ محرم وصفر مكانة خاصة في قلوب المؤمنين، وعقولهم، وضمائرهم، ممن يدركون عظم المصائب الهائلة التي وردت على أهل بيت النبوة (عليهم السلام)؛ لذا تستعد له محافظة (البصرة) كلها قبل حلول الذكرى بأسابيع طويلة مع ازدياد أعداد الزائرين المنطلقين من البصرة في كل عام، ولكن الاستعداد الأكبر يكون لليلة الأربعين، إذ تبلغ ذروتها، فتزدحم الطرقات حدادا على سيد الشهداء وأهل بيته (عليهم السلام)، من أجل إحياء أكبر تظاهرة بشرية، إذ يصل عدد الزوار في كل عام إلى ملايين الأشخاص في هذا التجمع البشري الكبير، وهو تجمع ليس له مثيل في العالم أجمع؛ لذا تحتاج هذه الزيارة إلى الكثير من الوقفات لتحليلها والتأمل فيها، ومن أهم خصائص ليلة الأربعين هو الأعداد الغفيرة من المعزين، إذ تعج الطرقات بالمواكب الحسينية من أنحاء المدينة كلها، بل إن بعضهم يأتي من أنحاء العالم المختلفة، ويعنى كل موكب بمهام خاصة، كالمجالس التي تحيي المسيرة الحسينية وفيها تقرأ المصيبة الخاصة بعودة السبايا إلى كربلاء، وهناك مواكب تقوم بتقديم الخدمات للزوار، لاسيما العائدين من كربلاء المقدسة بعد تأدية زيارة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)؛ لأن كثيرهم يبادر للزيارة قبل موعدها المقرر، ويعود إلى منزله لأسباب كثيرة، بخاصة من جاء من منفذ (شلامجة) الحدودي، ومن طقوس تلك الليلة العظيمة انتظام المواكب في تقديم لوحات عزاء مبهرة ومهيبة، تنطلق هذه المواكب في ليلة الأربعين من (3) مناطق رئيسة في البصرة، وهي منطقة (الطويسة) التي تبدأ المواكب فيها من العشر الأوائل من شهر محرم الحرام، ومواكب تخرج من منطقتي (التميمية) و(الجمهورية). وفي هذه الليلة تضاء الأحياء السكنية بأضواء جديدة، ويرى الذي يتجول في المدينة موائد عامرة كثيرة، يقدم فيها الكرماء أجود ما عندهم من طعام، فضلا عن تقديم الشاي والماء والقهوة، ويجد بعضهم العزاء في قراءة القرآن الكريم والأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) بقلب خاشع باكٍ. تلك الليلة وطقوسها ماثلة أمامي مذ كنت طفلة أتبع أمي في مجالس العزاء، حتى هذه اللحظة على الرغم من ذكراها المؤلمة، لكنها عند الكثير من الناس تمثل ليلة استجابة الدعاء، إذ يستجيب الله تعالى لمن ملأ حب الحسين (عليه السلام) قلبه.