بين حكم البشر ولطْف الله تعالى

جنان عبد الحسين الهلالي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 9

في مسيرة الحياة كثيرا ما نجد أنفسنا في موضع إساءة الفهم، إذ تحرف كلماتنا، أو تفسر نوايانا على غير حقيقتها، أو يساء تأويل أفعالنا، وهذه إحدى أكثر التجارب إيلاما للروح، إذ لا شيء يوجع الإنسان أكثر مما أنْ يكون صادقا، لكن الآخرين يظنون غير ذلك، بيد أن في المقابل هناك حقيقة تمنح القلب الطمأنينة، ألا وهي أن الله تعالى يعلم الحقيقة، ويعلم ما تخفيه الصدور، فلا يظلم أحدا، وقد قال تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)(الحج:38)، أما الفهم البشري، فهو مرتبط بميل الناس لتفسير الأمور وفق خبراتهم الشخصية، أو مشاعرهم المتقلبة، أو تحيزاتهم اللاواعية؛ لذلك غالبا ما يكون الحكم على الآخرين غير دقيق، متأثرا بالمواقف المسبقة، أو التأويلات القاصرة. ومن أسمى درجات التصالح مع النفس أنه لا بأس بأنْ يساء فهمك طالما أن الله تعالى عالم بحقيقة الأمور، وأنْ تدركي يقينا أن إساءة فهم الآخرين لك لا تنقص من قيمتك شيئا ما دام الله تعالى يعلم خفايا قلبك ويحيط علما بسريرتك، فلا ترهقي روحك بتبرير مواقفك لمن يصر على سوء التأويل، فالأقدار تمضي، والقلوب تتقلب، لكن عدل الله سبحانه ثابت لا يتغير، ومن الحكمة ألا نتعجل في الحكم على الآخرين بسبب موقف عابر، وألا نسمح لسوء فهم عابر أنْ يهدم صروح المودة مع أهلنا وأحبتنا، فكم من علاقة أفسدها سوء الظن، وكم من حبال ود قطعت بسبب تأويل خاطئ. في لحظات الصدق والضعف، لا يتذكر المرء سوى من احتواه بفهم عميق، ومن منحه المساحة ليكون ذاته من دون تقييد أو اتهام. عندما يساء فهمك، وعندما تظلمين أو تشوه صورتك، فلك ملجأ واحد، هو الله سبحانه، فهو العدل المطلق الذي يرى خفايا القلوب، ويعلم النوايا التي لم تنطق، والدموع التي لم تر، فمثلما لا يمنح الله تعالى نور الحكمة إلا لمن يستحقه، فهو أيضا لا يضيع حق عبدٍ ظلم، حتى لو اجتمع الناس كلهم على الإساءة إليه. كيف نتعامل مع من يسيئون فهمنا؟ لا تدعي سوء ظن الآخرين بك يمنعك عن فعل الصواب، ولا تجهدي نفسك بمراقبة ظنون الناس، ولا تستنزفي طاقاتك في محاولة إثبات ذاتك لهم، فكم من حق طمس، وكم من باطل رفع. اجعلي نقاء قلبك شهادة بينك وبين الله سبحانه، فهو الأعلم بالسرائر، والعادل الذي لا تجور أحكامه، وحسبك الله شهيدا وكفى.