رياض الزهراء قصص خبرية
حرارة الشمس ونسيم الرحمة: حكاية أم عباس على طريق كربلاء
دخلت الحاجّة أمّ عبّاس مجمّع أبي الفضل العباس (عليه السلام) الخدمي وهي تمسك بعصاها، جسدها نحيل ووجهها محفور بالتجاعيد التي تحكي سنوات طويلة من المشي والانتظار والصبر، حرارة الشمس على وجوه الزائرات كانت ثقيلة، والهواء محمّل بذرات الرمل التي تلسع العينين، لكنّها لم تشغل بالها، فهي تعرف أنّ المسير اليوم أهون ممّا كان في عاشوراء، نسيم المساء يهبّ بين الحين والآخر، يخفّف بعض الحرّ، كأنّ الرحمة الإلهية تحيط بالزائرين. جلست على كرسي قسم الطبابة، والطبيبات بدأنَ بتنظيف عينيها برفق، وأخبرنها أنّ عينيها لا تتحمّلان حرارة الجوّ والرياح العاتية، لكنّها ابتسمت بهدوء، لم يكن اهتمامها بنفسها أولوية، بل كانت عيناها تتحدّث عن الطريق، عن الأطفال والنساء في الركب الحسيني، عن الرؤوس الطاهرة التي رُفعت أمام سيّدة الطهر والعفاف، وعن المعاناة التي لا يمكن وصفها. بعد العلاج، جلست خارجًا، وبدأت تتحدّث بصوت هادئ، كما لو كانت تحادث نفسها في كلّ خطوة: "اليوم، الحرارة تثقل الأجساد، والرياح تحمل الرمل إلى العيون، لكنّنا محاطون بالخدمة والمواكب، كلّ شيء متاح، كلّ شيء منظّم، أمّا سيّدتي زينب (عليها السلام)، فكيف كانت؟ مشت بلا ظلّ، بلا ماء، الأطفال والنساء من حولها، الرؤوس الطاهرة على الرماح، كان الطريق صعبًا ومفجعًا". أغمضت أمّ عبّاس عينيها للحظة، كأنّها ترى كلّ مشهد: حرارة الصحراء، تعب الأطفال والنساء، صمت الطريق الطويل، ثم رفعت عينيها إلى الحاضر: المدن مشيّدة، الطرق ممهدّة، المواكب والخدم على قدم وساق، والنسيم يخفّف من حرارة الشمس. "اليوم الفرق شاسع، ومع ذلك، قلبي لا ينسى ما كانت تتحمّله سيّدتي زينب في كلّ خطوة على الطريق، تذكّرني بالصبر والوفاء، وبالحبّ الحقيقي للإمام الحسين (عليه السلام)". لم تهتمّ أمّ عبّاس لألم جسدها أو ضعف بصرها، خطواتها كانت رسالة ولاء بين حرارة الشمس ونسيم المساء، بين الماضي والحاضر، بين معاناة السيّدة زينب (عليها السلام) وبين وراحة الزائر اليوم، كلّ خطوة حكاية صبر وحبّ ووفاء.