السَّيِّدَةُ الزَّهرَاءُ (عليها السلام) أُمُّ النُّبُوَّةِ والإِمَامَة
لقد عجز الإنسان عن إدراك حقيقة الروح كما قال الربّ جلّ وعلا: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)/ (الإسراء:85). فاطمة الزهراء هي روح الروح، وجوهر الحقيقة، أَوَ ليست هي التي قال فيها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): "وأما ابنتي فاطمة فإنها سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ... وهي روحي التي بين جنبي".(1) فكانت (عليها السلام) موضع أسرار رسول ربّ العالمين، حيث قال عنها الإمام العسكري (عليه السلام): "نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجة علينا".(2) قد انصهرت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأفكار الإسلام روحياً وفكرياً فكانت بنت أعظم رجل عرفه التاريخ، وكان (صلى الله عليه وآله) يدعوها بأم أبيها ويقول: "فاطمة بضعة مني فمن أرضاها فقد أرضاني ومن أغضبها فقد أغضبني".(3) وكان (صلى الله عليه وآله) يقول حين يقبّلها إنّي أشم رائحة الجنة، وهي الحوراء الإنسية، وكانت عنده بمنزلةٍ ما فوقها منزلة، فكانت آخر مَن يراه عند سفره، وأول مَن يلقاها عند رجوعه من السفر. فالسيّدة الزهراء (عليها السلام) مثال المرأة المسلمة المترفّعة عن المواد الدنيوية، الصاعدة إلى أفق الكمال وسيماء العصمة والفضيلة، فإنّ النفس البشرية إذا استنارت بنور الإسلام وتعاليمه وحكمه، استغنت بمعنوياتها عن كلّ ما تحتاج إليه النفوس الضعيفة من مقومات لشخصيتها. نعم هكذا كانت هي ريحانة النبوة وزهرة الهاشميين، فتاة ترعرعت في أحضان الأبوة الرحيمة، وهي عروس تزّف إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد خُطبت إلى أبيها من قبل الكثيرين، كان منهم أكابر الصحابة، والرسول يردّهم بشتى الحجج، ويقول لهم إنه ينتظر أمر من السماء، فقد كان (صلى الله عليه وآله) يعلم أن نسله قد انحصر في السيّدة فاطمة (عليها السلام)، وأن فاطمة وبعلها وأبناءها (عليهم السلام) هم الذين سيكونون الامتداد لرسالته ولدعوته السماوية. فكانت استثنائية في جوهر تكوينها، واستثنائية في مواقفها، وجهادها، وزهوها، وعبادتها، وإيمانها، وطاعتها، ولولا أنّ السيّدة فاطمة (عليها السلام) امرأة استثنائية لَما جعل الله (عزّ وجل) رضاه معلقاً برضا فاطمة، وغضبه كذلك، ولو أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: رضا فاطمة من رضا الله، وغضبها من غضبه لكان أمراً مهماً، حيث كان يعني التزام فاطمة (عليها السلام) برضا الله. ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) قال العكس، فعلّق رضا الله على رضا فاطمة، وغضب الله على غضبها، هكذا فإنّ فاطمة سرٌ عظيمٌ لن ينكشف لأحد، كما في الدعاء المأثور: (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها).(4) مهما تحدّثنا وقلنا في حقّ هذه السيّدة العظيمة سوف لن نصل إلى بيان سوى جزءٍ قليلٍ من مقامها الشريف. فكانت (عليها السلام) نموذجاً صادقاً للمرأة المسلمة التي حباها الله (عزّ وجل) بفضله، وقد أعادت اعتبار المرأة في المجتمع، فأظهرت معالم كرامتها المهدورة، وإنسانيتها، وشخصيتها، وأبرزت شجاعتها وبطولاتها في مصارعة طواغيت زمانها. وقد تحدث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مكامن هذه العظمة، حيث خاطبها: "..أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين.."(5)، وكان (صلى الله عليه وآله) يعظّم ويبجّل من شأنها، وقال (صلى الله عليه وآله): "إنما سُمّيت ابنتي فاطمة؛ لأن الله فطمها، وفطم مَن أحبها من النار".(6) ولو يسأل سائل: إذا دعت السيّدة الزهراء (عليها السلام) ربّها أن يطيل في عمر أبيها أحمد (صلى الله عليه وآله)، فالجواب: لاشك أنّ دعاءها مستجاب، ولكن لو سألها ربّها الجليل أتريدين يا زهراء؟ تقول: يا ربّي، ومَن أنى حتى أريد، أريد أن لا أريد، فاقضِ ما أنت قاضٍ وهذا التسليم المطلق إلى الله (عزّ وجل)، حيث صبّت إرادتها في إرادة الله (عزّ وجل)، فهل يمكن للمرأة المسلمة أن تعيش من دون أن تريد، ولو أنّ المرأة مشت على خُطى السيّدة الزهراء (عليها السلام) لأذهلت إبليس وجنوده، ولو أنها اقتدت بالسيّدة فاطمة (عليها السلام) لتحولت الأرض إلى فردوس الجنة، وخيّمت السعادة على ربوع الأرض. قال الشاعر محمد رضا فتح الله في مولد السيّدة الزهراء (عليها السلام): عيد فلا عيد أجل وأروع نور الإمامة في طلوعك يطلع زهراء يا أم الخلائق كلها بنت الرسول لك الملائك تخشع حب البتول من الإله وصاية من صـــد عنها ملحـــد ومضيّع قلب الرسول سروره ودموعه منه الفـــؤاد بحبــــك مـــــتلوّع زهراء يا خير النساء على المدى إذ أن حبــــك للموالي يشفع